تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٠١
بين الحديثين بأن أسعد كان أميرا، ومصعبا كان إماما وهو كما ترى، ولم يصرح في شيء من الأخبار التي وقفت عليها فيمن أقامها قبل الهجرة بالمدينة بالخطبة التي هي أحد شروطها، وكأن في خبر ابن سيرين رمزا إليها بقوله: وذكرهم، وقد يقال: إن صلاة الجمعة حقيقة شرعية في الصلاة المستوفية للشروط، فمتى قيل: إن فلانا أول من صلى الجمعة كان متضمنا لتحقق الشروط لكن يبعد كل البعد كون ما وقع من أسعد رضي الله تعالى عنه إن كان قبل فرضيتها مستوفيا لما هو معروف اليوم من الشروط، ثم إني لا أدري هل صلى أسعد الظهر ذلك اليوم أم اكتفى بالركعتين اللتين صلاهما عنها؟ وعلى تقدير الاكتفاء كيف ساغ له ذلك بدون أمره عليه الصلاة والسلام؟! وقصارى ما يظن أن الأنصار علموا فرضية الجمعة بمكة وعلموا شروطها وإغناءها عن صلاة الظهر فأرادوا أن يفعلوها قبل أن يؤمروا بخصوصهم فرغب خواصهم عوامهم على أحسن وجه وجاءوا إلى أسعد فصلى بهم وهو خلاف الظاهر جدا فتدبر والله تعالى الموفق.
وأما ما كان من صلاته عليه الصلاة والسلام إياها فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة مهاجرا نزل قبا على بني عمرو بن عوف وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم فخطب وصلى الجمعة وهو أول جمعة صلاها عليه الصلاة والسلام، وقال بعضهم: إنما سمي هذا اليوم يوم الجمعة لأن آدم عليه السلام اجتمع فيه مع حواء في الأرض، وقيل: لأن خلق آدم عليه السلام جمع فيه وهو نحو ما أخرجه سعيد بن منصور. وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قلت: " يا نبي الله لأي شيء سمي يوم الجمعة؟ فقال: لأن فيها جمعت طينة أبيكم آدم عليه السلام " الخبر، ويشعر ذلك بأن التسمية كانت قبل كعب بن لؤي ويسميه الملائكة يوم القيامة يوم المزيد لما أن الله تعالى يتجلى فيه لأهل الجنة فيعطيهم ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر كما في حديث رواه ابن أبي شيبة عن أنس مرفوعا وهو من أفضل الأيام، وفي خبر رواه كثيرون منهم الإمام أحمد. وابن ماجه عن أبي لبابة بن عبد المنذر مرفوعا " يوم الجمعة سيد الأيام وأعظم عند الله تعالى من يوم الفطر ويوم الأضحى " وفيه أن فيه خلق آدم. وإهباطه إلى الأرض. وموته. وساعة الإجابة - أي للدعاء - ما لم يكن سؤال حرام. وقيام الساعة، وفي خبر الطبراني " وفيه دخل الجنة. وفيه خرج ". وصحح ابن حبان خبر " لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة " وفي خبر مسلم " فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها وفيه تقوم الساعة وأنه خير يوم طلعت عليه الشمس " وصح خبر " وفيه تيب عليه وفيه مات ".
وأخذ أحمد من خبري مسلم. وابن حبان أنه أفضل حتى من يوم عرفة، وفضل كثير من الحنابلة ليلته على ليلة القدر، قيل: ويردهما أن لذينك دلائل خاصة فقدمت، واختلف في تعيين ساعة الإجابة فيه، فعن أبي بردة: هي حين يقوم الإمام في الصلاة حتى ينصرف عنها، وعن الحسن: هي عند زوال الشمس، وعن الشعبي: هي ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل، وعن عائشة: هي حين ينادي المنادي بالصلاة، وفي حديث مرفوع أخرجه ابن أبي شيبة عن كثير بن عبد الله المزني: هي حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها، وعن أبي أمامة لأني لأرجو أن تكون الساعة التي في الجمعة إحدى هذه الساعات: إذا أذن المؤذن. أو جلس الإمام على المنبر. أو عند الإقامة، وعن طاوس. ومجاهد: هي بعد العصر، وقيل: غير ذلك، ولم يصح تعيين الأكثرين، وقد أخفاها الله تعالى كما أخفى سبحانه الاسم الأعظم. وليلة القدر. وغيرهما لحكمة لا تخفى.
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»