تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١١٨
على الموضع والعطف على التوهم أن العامل في العطف على الموضع موجود وأثره مفقود، والعامل في العطف على التوهم مفقود وأثره موجود، واستظهر أن الخلاف لفظي فمراد أبي علي. والزجاج العطف على الموضع المتوهم أي المقدر إذ لا موضع هنا في التحقيق لكنهما فرا من قبح التعبير.
وقرأ الحسن. وابن جبير. وأبو رجاء. وابن أبي إسحق. ومالك بن دينار. والأعمش. وابن محيصن. وعبد الله بن الحسن العنبري. وأبو عمرو * (وأكون) * بالنصب وهو ظاهر، وقرأ عبيد بن عمير * (وأكون) * بالرفع على الاستئناف، والنحويون. وأهل المعاني قدروا المبتدا في أمثال ذلك من أفعال المستأنفة، فيقال هنا: أي وأنا أكون ولا تراهم يهملون ذلك، ووجه بأن ذلك لأن الفعل لا يصلح للاستئناف مع الواو الاستئنافية كما هنا ولا بدونها، وتعقب بأنه لم يذهب إلى عدم صلاحيته لذلك أحد من النحاة وكأنه لهذا صرح العلامة التفتازاني بأن التزام التقدير مما لم يظهر له وجهه، وقيل: وجهه أن الاستئناف بالاسمية أظهر وهو كما ترى، وجوز كون الفعل على هذه القراءة مرفوعا بالعطف على - أصدق - على نحو القولين السابقين في الجزم، هذا وعن الضحاك أنه قال في قوله تعالى: * (وأنفقوا مما رزقناكم) * يعني الزكاة والنفقة في الحج، وعليه قول ابن عباس فيما أخرج عنه ابن المنذر: * (فأصدق) * أزكى * (وأكن من الصالحين) * أحج، وأخرج الترمذي. وابن جرير. والطبراني. وغيرهم عنه أيضا أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان له مال يبلغه حج بيت ربه أو تجب عليه فيه الزجاة فلم يفعل سأل الرجعة عند الموت " فقال له رجل: يا ابن عباس اتق الله تعالى فإنما يسأل الرجعة الكفار فقال: سأتلو عليكم بذلك قرآنا * (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) * (المنافقون: 9) إلى آخر السورة كذا في " الدر المنثور ".
وفي " أحكام القرآن " رواية الترمذي عنه ذلك موقوفا عليه، وحكى عنه في البحر. وغيره أنه قال: إن الآية نزلت في مانع الزكاة، ووالله لو رأى خيرا لما سأل الرجعة، فقيل له: أما تتقي الله تعالى يسأل المؤمنون الكرة؟! فأجاب بنحو ما ذكر، ولا يخفى أن الاعتراض عليه وكذا الجواب أوفق بكونه نفسه ادعى سؤال الرجعة ولم يرفع الحديث بذلك، وإذا كان قوله تعالى: * (لولا أخرتني) * الخ سؤالا للرجعة بمعنى الرجوع إلى الدنيا بعد الموت لم يحتج قوله تعالى: * (من قبل أن يأتي أحدكم الموت) * إلى تقدير مضاف كما سمعت آنفا.
* (ولن يؤخر الله نفسا إذا جآء أجلهآ والله خبير بما تعملون) *.
* (ولن يؤخر الله نفسا) * أي ولن يمهلها * (إذا جاء أجلها) * أي آخر عمرها أو انتهى الزمان الممتد لها من أول العمر إلى آخره على تفسير الأجل به * (والله خبير بما تعملون) * فمجاز عليه، وقرأ أبو بكر بالياء آخر الحروف ليوافق ما قبله في الغيبة ونفسا لكونها نكرة في سياق النفي في معنى الجمع، واستدل الكيا بقوله تعالى: * (وأنفقوا) * الخ على وجوب إخراج الزكاة على الفور ومنع تأخيرها، ونسب للزمخشري أنه قال: ليس في الزجر عن التفريط في هذه الحقوق أعظم من ذلك فلا أحد يؤخر ذلك إلا ويجوز أن يأتيه الموت عن قريب فيلزمه التحرز الشديد عن هذا التفريط في كل وقت، وقد أبطل الله تعالى قول المجبرة من جهات: منها قوله تعالى: * (وأنفقوا) *، ومنها أنه إن كان قبل حضور الموت لم يقدر على الانفاق فكيف يتمنى تأخير الأجل، ومنها قوله تعالى: مؤيسا له في الجواب: * (ولن يؤخر الله) * ولولا أنه مختار لأجيب باستواء التأخير والموت حين التمني، وأجيب بأن أهل الحق لا يقولون بالجبر فالبحث ساقط عنهم على أنه لا دلالة في الأول كما في سائر الأوامر كما حقق في موضعه، والتمني - وهو متمسك الفريق - لا يصح الاستدلال به، والقول المؤيس إبطال لتمنيهم لا جواب عنه إذ لا استحقاق لوضوح البطلان، والله تعالى أعلم.
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»