تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١١٠
الكفار. ومن هنا أخذ الشاعر قوله: وما انتسبوا إلى الإسلام إلا * لصون دمائهم أن لا تسالا وعن السدى أنهم اتخذوا ذلك جنة من ترك الصلاة عليهم إذا ماتوا، وهو كما ترى وكذا ما قبله.
* (فصدوا عن سبيل الله) * أي من أراد الدخول في دين الإسلام؛ أو من أراد فعل طاعة مطلقا على أن الفعل متعد، والمفعول محذوف، أو أعرضوا عن الإسلام حقيقة على أن الفعل لازم، وأيا ما كان فالمراد على ما قيل: استمرارهم على ذلك، وحمل بعض الأجلة الأيمان على ما يعم ما حكى عنهم من الشهادة، ثم قال: واتخاذها جنة عبارة عن إعدادهم وتهيئتهم لها إلى وقت الحاجة ليحلفوا بها ويتخلصوا عن المؤاخدة لا عن استعمالها بالفعل فإن ذلك متأخر عن المؤاخذة المسبوقة بوقوع الجناية واتخاذ الجنة لا بد أن يكون قبل المؤاخذة، وعن سببها أيضا كما يفصح عنه الفاء في * (فصدوا) * أي من أراد الإسلام أو الانفاق كما سيحكي عنهم، ولا ريب في أن هذا الصد متقدم على حلفهم، وقرىء - أي قرأ الحسن - دإيمانهم) * بكسر الهمزة أي الذي أظهروه على ألسنتهم فاتخاذه جنة عبارة عن استعماله بالفعل فإنه وقاية دون دمائهم وأموالهم، فمعنى قوله تعالى: * (فصدوا) * فاستمروا على ما كانوا عليه من الصدود والاعراض عن سبيله تعالى انتهى، وفيه ما يعرف بالتأمل فتأمل * (إنهم ساء ما كانوا يعملون) * من النفاق وما يتبعه، وقد مر الكلام في * (ساء) * غير مرة.
* (ذلك بأنهم ءامنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) *.
* (ذالك) * إشارة إلى ما تقدم من القول الناعي عليهم أنهم أسوأ الناس أعمالا. أو إلى ما ذكر من حالهم في النفاق والكذب والاستجنان بالايمان الفاجرة. أو الإيمان الصوري، وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه لما مر مرارا من الاشعار في مثل هذا المقام ببعد منزلته في الشر، وجوز ابن عطية كونه إشارة إلى سوء ما عملوا، فالمعنى ساء عملهم * (بأنهم) * أي بسبب أنهم * (آمنوا) * أي نطقوا بكلمة الشهادة كسائر من يدخل في الإسلام * (ثم كفروا) * ظهر كفرهم وتبين بما اطلع عليه من قولهم: إن كان ما يقوله محمد حقا فنحن حمير، وقولهم في غزوة تبوك: أيطمع هذا الرجل أن تفتح له قصور كسرى. وقيصر هيهات، وغير ذلك، و * (ثم) * على ظاهرها، أو لاستبعاد ما بين الحالين أو ثم أسروا الكفر - فثم - للاستبعاد لا غير، أو نطقوا بالإيمان عند المؤمنين، ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاءا بالإسلام، وقيل: الآية في أهل الردة منهم.
* (فطبع على قلوبهم) * حتى يموتوا على الكفر * (فهم لا يفقهون) * حقيقة الإيمان أصلا.
وقرأ زيد بن علي * (فطبع) * بالبناء للفاعل وهو ضميره تعالى، وجوز أن يكون ضميرا يعود على المصدرالمفهوم مما قبل - أي فطبع هو - أي تلعابهم بالدين، وفي رواية أنه قرأ فطبع الله مصرحا بالاسم الجليل، وكذا قرأ الأعمش.
* (وإذا رأيتهم تعجبك أجس‍امهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) *.
* (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) * لصباحتها وتناسب أعضائها * (وإن يقولوا تسمع لقولهم) * لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم وحلاوة كلامهم، وكان ابن أبي جسيما فصيحا يحضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أمثاله كالجد بن قيس. ومعتب بن قشير فكان عليه الصلاة والسلام ومن معه يعجبون من هياكلهم ويسمعون لكلامهم، والخطاب قيل: لكل من يصلح له وأيد بقراءة عكرمة. وعطية العوفي - يسمع - بالياء
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»