تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٠٩
الشهادة، وقد يقال: الشهادة خبر خاص وهو ما وافق فيه اللسان القلب، وأما شهادة الزور فتجوز كإطلاق البيع على غير الصحيح فهم كاذبون في قولهم: * (نشهد) * المتفرع على تسمية قولهم ذلك شهادة، وهو مراد من قال: أي لكاذبون في تسميتهم ذلك شهادة فلا تغفل.
وعلى هذا لا يحتاج في تحقق كذبهم إلى ادعائهم المواطأة ضمنا لأن اللفظ موضوع للمواطىء، وجوز أن يكون التكذيب راجعا إلى قولهم: * (إنك لرسول الله) * باعتبار لازم فائدة الخبر وهو بمعنى رجوعه إلى الخبر الضمني. وأن يكون راجعا إليه باعتبار ما عندهم أي لكاذبون في قولهم: * (إنك لرسول الله) * عند أنفسهم لأنهم كانوا يعتقدون أنه كذب وخبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه، قيل: وعلى هذا الكذب هو الشرعي اللاحق به الذم ألا ترى أن المجتهدين لا ينسبون إلى الكذب وإن نسبوا إلى الخطأ.
وجوز العلامة الثاني أن يكون التكذيب راجعا إلى حلف المنافقين، وزعموا أنهم لم يقولوا * (لا تنفقوا على من عند رسول حتى ينفضوا من حوله ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) * لما ذكر في صحيح البخاري عن زيد بن أرقم أنه قال: كنت في غزاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعت عبد الله بن أبي بن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ولو رجعنا من عنده ليخرجن الأعز منها الأذل فذكرت ذلك لعمي فذكره لنبي الله صلى الله عليه وسلم فدعاني فحدثته فأرسل رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى عبد الله بن أبي. وأصحابه فخلفوا أنهم ما قالوا: فكذبني رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه فأصابني هم لم يصبني مثله قط فجلست في البيت فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك فأنزل الله * (إذا جاءك المنافقون) * فبعث إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ فقال: " إن الله صدقك يا زيد ". وجوز بعض الأفاضل أن يكون المعنى إن المنافقين شأنهم الكذب وإن صدقوا في هذا الخبر، وأيا ما كان فلا يتم للنظام الاستدلال بالآية على أن صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المخبر ولو كان ذلك الاعتقاد خطأ وكذبه عدمها، وإظهار المنافقين في موقع الإضمار لذمهم والإشعار بعلة الحكم والكلام في * (إذا) * على نحو ما مر آنفا) *.
* (اتخذوا أيم‍انهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم سآء ما كانوا يعملون) *.
* (اتخذوا أيم‍انهم) * أي الكاذبة على ما يشير إليه الإضافة * (جنة) * أي وقاية عما يتوجه إليهم من المؤاخذة بالقتل أو السبي أو غير ذلك قال قتادة: كلما ظهر على شيء منهم يوجب مؤاخذتهم حلفوا كاذبين عصمة لأموالهم ودمائهم، وهذا كلام مستقل تعدادا لقبائحهم وأنهم من عادتهم الاستجنان بالأيمان الكاذبة كما استجنوا بالشهادة الكاذبة، ويجوز أن يراد بأيمانهم شهادتهم السابقة؛ والشهادة. وأفعال العلم واليقين أجرتها العرب مجرى القسم؛ وتلقتها بما يتلقى القسم، ويؤكد بها الكلام كما يؤكد به، فلهذا يطلق عليها اليمين، وبهذا استشهد أبو حنيفة على أن أشهد يمين، واعترضه ابن المنير بأن غاية ما في الآية أنه سمي يمينا، والكلام في وجوب الكفارة بذلك لا في إطلاق الاسم، وليس كل ما يسمى يمينا تجب فيه الكفارة، فلو قال: أحلف على كذا لا تجب عليه الكفارة وإن كان حلفا، والجمع باعتبار تعدد القائلين، والكلام على هذا استئناف يدل على فائدة قولهم ذلك عندهم مع الذم البالغ بما عقبه، وقيل: إن * (اتخذوا) * جواب * (إذا) * وجملة * (قالوا) * السابقة في موضع الحال بتقدير قد أو بدونه وهو خلاف الظاهر، وأبعد منه جعل الجملة حالا وتقدير جواب - لا ذا - وقال الضحاك: أي اتخذوا حلفهم بالله إنهم لمنكم جنة عن القتل. أو السبي. أو نحوهما مما يعامل به
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»