تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٠٨
وأيضا لا أدعى الجزم بعدم دليل في نفس الأمر، وفوق كل ذي علم عليم، ولعل أول من أرشد إليهما من السادة وجد فيهما ما يعول عليه، أو يقال: يكفي للعمل بمثل ذلك نحو ما تمسك به بعض أجلة متأخريهم وإن كان للبحث فيه مجال ولأرباب القال في أمره مقال، وفي قوله تعالى: * (وآخرين) * (الجمعة: 3) الخ بناءا على عطفه على الضمير المنصوب قيل: إشارة إلى عدم انقطاع فيضه صلى الله عليه وسلم عن أمته إلى يوم القيامة؛ وقد قالوا بعدم انقطاع فيض الولي أيضا بعد انتقاله من دار الكثافة والفناء إلى دار التجرد والبقاء: وفي قوله تعالى: * (مثل الذين حملوا التوراة) * (الجمعة: 5) الخ إشارة إلى سوء حال المنكرين مع علمهم، وفي قوله تعالى: * (قل يا أيها الذين هادوا) * (الجمعة: 6) الآية إشارة إلى جواز امتحان مدعى الولاية ليظهر حاله بالامتحان فعند ذلك يكرم أو يهان، وفي عتاب الله تعالى المنفضين إشارة إلى نوع من كيفيات تربية المريد إذا صدر منه نوع خلاف ليسلك الصراط السوي ولا يرتكب الاعتساف، وفي الآيات بعد إشارات يضيق عنها نطاق العبارات، " ومن عمل بما علم أورثه الله عز وجل علم ما لم يعلم ".
سورة المنافقين مدنية وعدد آياتها إحدى عشرة آية بلا خلاف، ووجه اتصالها أن سورة الجمعة ذكر فيها المؤمنون، وهذه ذكر فيها أضدادهم وهم المنافقون، ولهذا أخرج سعيد بن منصور. والطبراني في الأوسط بسند حسن عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة فيحرض بها المؤمنين. وفي الثانية بسورة المنافقين فيقرع بها المنافقين، وقال أبو حيان في ذلك: آنه لما كان سبب الانفضاض عن سماع الخطبة ربما كان حاصلا عن المنافقين واتبعهم ناس كثير من المؤمنين في ذلك لسرورهم بالعير التي قدمت بالميرة إذ كان الوقت وقت مجاعة جاء ذكر المنافقين وما هم عليه من كراهة أهل الإيمان وأتبع بقبائح أفعالهم وأقوالهم، والأول أولى.
* (إذا جآءك المن‍افقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المن‍افقين لك‍اذبون) *.
* (إذا جاءك المن‍فقون) * أي حضروا مجلسك، والمراد بهم عبد الله بن أبي وأصحابه * (قالوا نشهد إنك لرسول الله) * التأكيد بأن واللام للازم فائدة الخبر وهو علمهم بهذا الخبر المشهود به فيفيد تأكيد الشهادة، ويدل على ادعائهم فيها المواطأة وإن كانت في نفسها تقع على الحق والزور والتأكيد في قوله تعالى: * (والله يعلم إنك لرسوله) * لمزيد الاعتناء حقيقة بشأن الخبر، أو ليس إلا ليوافق صنيعهم، وجيء بالجلمة اعتراضا لاماطة ما عسى أن يتوهم من قوله عز وجل:
* (والله يشهد إن المن‍فقين لك‍اذبون) * من رجوع التكذيب إلى نفس الخبر المشهود به من أول الأمر، وذكر الطيبي أن هذا نوع من التتميم لطيف المسلك، ونظيره قول أبي الطيب: وتحتقر الدنيا احتقار مجرب * ترى كل ما فيها وحاشاك فانيا فالتكذيب راجع إلى * (نشهد) * باعتبار الخبر الضمني الذي دل عليه التأكيد وهو دعوى المواطأة في الشهادة أي والله يشهد إنهم لكاذبون فيما ضمنوه قولهم: * (نشهد) * من دعوى المواطأة وتوافق اللسان والقلب في هذه
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»