تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٧٣
في غير - كل - وما ضاهاها في الافتقار والعموم فإنه في ذلك مطرد لكن ادعى فيه الاجماع وهو محل نزاع.
* (والله بما تعملون خبير) * عالم بظاهره وباطنه ويجازيكم على حسبه فالكلام وعد ووعيد، وفي الآيات من الدلالة على فضل السابقين المهاجرين والأنصار ما لا يخفى، والمراد بهم المؤمنون المنفقون المقاتلون قبل فتح مكة أو قبل الحديبية بناءا على الخلاف السابق، والآية على ما ذكره الواحدي عن الكلبي نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أي بسببه، وأنت تعلم أن خصوص السبب لا يدل على تخصيص الحكم، فلذلك قال: * (أولئك) * ليشمل غيره رضي الله تعالى عنه ممن اتصف بذلك، نعم هو أكمل الأفراد فإنه أنفق قبل الفتح وقبل الهجرة جميع ماله وبذل نفسه معه عليه الصلاة والسلام ولذا قال صلى الله عليه وسلم: " ليس أحد أمن علي بصحبته من أبي بكر " وذلك يكفي لنزولها فيه، وفي " الكشاف " إن أولئك هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: " ولو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " قال الطيبي: الحديث من رواية البخاري. ومسلم. وأبي داود. والترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدا أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه "، وتعقبه في " الكشف " بأنه على هذا لا يختص بالسابقين الأولين كما أشار في " الكشاف " إليه وهو مبني على أن الخطاب في لا تسبوا ليس للحاضرين ولا للموجودين في عصره صلى الله عليه وسلم بل لكل من يصلح للخطاب كما في قوله تعالى: * (ولو ترى إذ وقفوا) * (الأنعام: 30) الآية وإلا فقد قيل: إن الخطاب يقتضي الحضور والوجود ولا بد من مغايرة المخاطبين بالنهي عن سبهم فهم السابقون الكاملون في الصحبة.
وأقول شاع الاستدلال بهذا الحديث على فضل الصحابة مطلقا بناءا على ما قالوا: إن إضافة الجمع تفيد الاستغراق وعليه " صاحب الكشف "، واستشكل أمر الخطاب، وأجيب عنه بما سمعت وبأنه على حد خطاب الله تعالى الأزلي لكن في بعض الأخبار ما يؤيد أن المخاطبين بعض من الصحابة والممدوحين بعض آخر منهم فتكون الإضافة للعهد أو بحمل الأصحاب على الكاملين في الصحبة.
أخرج أحمد عن أنس قال: " كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام فقال خالد لعبد الرحمن بن عوف: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دعو لي أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد - أو مثل الجبال - ذهبا ما بلغتم أعمالهم " ثم في هذا الحديث تأييد ما لكون أولئك هم الذين أنفقوا قبل الحديبية لأن إسلامه رضي الله تعالى عنه كان بين الحديبية وفتح مكة كما في " التقريب " وغيره، والزمخشري فسر الفتح بفتح مكة فلا تغفل، قال الجلال المحلي: كون الخطاب في " لا تسبوا " للصحابة السابين، وقال: نزلهم صلى الله عليه وسلم بسبهم الذي لا يليق بهم منزلة غيرهم حيث علل بما ذكره وهو وجه حسن فتدبر؛ وقوله تعالى:
* (من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم) *.
* (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) * ندب بليغ من الله تعالى إلى الانفاق في سبيله مؤكد للأمر السابق به وللتوبيخ على تركه فالاستفهام ليس على حقيقته بل للحث، والقرض الحسن الانفاق بالإخلاص وتحري أكرم المال وأفضل الجهات، وذكر بعضهم أن القرض الحسن ما يجمع عشر صفات. أن يكون من الحلال فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا. وأن يكون من أكرم ما يملكه المرء. وأن يكون والمرء صحيح شحيح يأمل العيش ويخشي الفقر. وأن يضعه في الأحوج الأولي: وأن يكتم ذلك. وأن لا يتبعه بالمن
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»