وقال ابن عباس: * (فتنتم أنفسكم) * بالشهوات واللذات * (وتربصتم) * بالتوبة * (وارتبتم) * قال محبوب الليثي: شككتم في الله * (وغرتكم الأماني) * طول الآمال، وقال أبو سنان: قلتم سيغفر لنا * (حتى جاء أمر الله) * أي الموت * (وغركم بالله الغرور) * الشيطان قال لكم: إن الله عفو كريم لا يعذبكم.
وعن قتادة كانوا على خدعة من الشيطان والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله تعالى في النار.
وقرأ سماك بن حرب الغرور بالضم، قال ابن جنى: وهو كقوله: وغركم بالله تعالى الاغترار، وتقديره على حذف المضاف أي وغركم بالله تعالى سلامة الاغترار ومعناه سلامتكم منه اغتراركم.
* (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هى مولاكم وبئس المصير) *.
* (فاليوم لا يؤخذ منكم) * أيها المنافقون * (فدية) * فداء وهو ما يبذل لحفظ النفس عن النائبة والناصب ليوم الفعل المنفي بلا، وفيه حجة على من منع ذلك، وقرأ أبو جعفر. والحسن. وابن أبي إسحق. والأعرج. وابن عامر. وهارون عن أبي عمرو ولا تؤخذ بالتاء الفوقية * (وعلا من الذين كفروا) * أي ظاهرا وباطنا فيغاير المخاطبين المنافقين، ثم الظاهر إن المراد بالفدية ما هو من جنس المال ونحوه، وجوز أن يراد بها ما يعم الإيمان والتوبة فتدل الآية على أنه لا يقبل إيمانهم وتوبتهم يوم القيامة وفيه بعد، وفي الحديث إن الله تعالى يقول للكافر: أرأيتك لو كان لك أضعاف الدنيا أكنت تفتدي بجميع ذلك من عذاب النار، فيقول: نعم يا رب فيقول الله تبارك وتعالى: فدسأ لتك ما هو أيسر من ذلك وأنت في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي فأبيت إلا الشرك * (مأواكم النار) * محل أويكم * (هي مولاكم) * أي ناصركم من باب - تحية بينهم ضرب وجيع - والمراد نفي الناصر على البتات بعد نفي أخذ الفدية وخلاصهم بها عن العذاب، ونحوه قولهم: أصيب بكذا فاستنصر الجزع، ومنه قوله تعالى: * (يغاثوا بماء كالمهل) * (الكهف: 29) وقال الكلبي. والزجاج. والفراء. وأبو عبيدة: أي أولى بكم كما في قول لبيد يصف بقرة وحشية نفرت من صوت الصائد: فغدت كلا الفرجين تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وأمامها أي فغدت كلا جانبيها الخلف والإمام تحسب أنه أولى بأن يكون فيه الخوف، قال الزمخشري: وحقيقة مولاكم هي على هذا محراكم ومقمنكم أي المكان الذي يقال فيه هو أولى بكم كما قيل: هو مئنة للكرم أي مكان لقول القائل: إنه لكريم فأولى نوع من اسم المكان لوحظ فيه معنى أولى إلا أنه مشتق منه كما أن المئنة ليست مشتقة من إن التحقيقية، وفي التفسير الكبير إن قولهم ذلك بيان لحاصل المعنى وليس بتفسير اللفظ لأنه لو كان مولى وأولى بمعنى واحد في اللغة لصح استعمال كل لأمنهما في مكان الآخر وكان يجب أن يصح هذا أولى فلان كما يقال: هذا مولى فلان ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى وليس بتفسير، ثم صرح بأنه أراد بذلك رد استدلال الشريف المرتضى بحديث الغدير من كنت مولاه فعلي مولاه على إمامة الأمير كرم الله تعالى وجهه حيث قال: أحد معاني المولى الأولى.
وحمله في الخبر عليه متعين لأن إرادة غيره يجعل الأخبار عبثا كإرادة الناصر والصاحب وابن العم، أو يجعله كذبا كالمعتق والمعتق ولا يخفى على المنصف أنه إن أراد بكونه معنى لا تفسير ما أشار إليه الزمخشري من التحقيق