وعطف القتال على الانفاق للإيذان بأنه من أهم مواد الانفاق مع كونه في نفسه من أفضل العبادات وأنه لا يخلو من الانفاق أصلا وقسيم * (من أنفق) * محذوف أي لا يستوي ذلك وغيره، وحذف لظهوره ودلالة ما بعد عليه، والفتح فتح مكة على ما روى عن قتادة. وزيد بن أسلم. ومجاهد - وهو المشهور - فتعريفه للعهد أو للجنس ادعاءا، وقال الشعبي: هو فتح الحديبية وقد مروجه تسميته فتحا في سورة الفتح، وفي بعض الآثار ما يدل عليه.
أخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم. وابن مردويه. وأبو نعيم في الدلائل من طريق زيد بن أسلم عن عطاءا بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية حتى إذا كان بعسفان قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: يوشك أن يأتي قوم يحتقرون أعمالكم مع أعمالهم قلنا: من هم يا رسول الله أقريش؟ قال: لا ولكن هم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا، فقلنا: أهم خير منا يا رسول الله؟ قال: لو كان لأحدهم جبل من ذهب فأنفقه ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه ألا إن هذا فصل ما بيننا وبين الناس * (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح) * (الحديد: 10).
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما * (قبل) * بغير * (من) * * (أولئك) * إشارة إلى من أنفق، والجمع بالنظر إلى معنى * (من) * كما أن إفراد الضميرين السابقين بالنظر إلى لفظها، ووضع اسم الإشارة البعيد موضع الضمير للتعظيم والاشعار بأن مدار الحكم هو إنفاقهم قبل الفتح وقتالهم، ومحله الرفع على الابتداء؛ والخبر قوله تعالى: * (أعظم درجة) * أي أولئك المنعوتون بذينك النعتين الجليلين أرفع منزلة وأجل قدرا.
* (من الذين أنفقوا من بعد) * بعد الفتح * (وقاتلوا) * وذهب بعضهم إلى أن فاعل * (لا يستوي) * ضمير يعود على الانفاق أي لا يستوي هو أي الانفاق أي جنسه إذ منه ما هو قبل الفتح ومنه ما هو بعده، و * (من أنفق) * مبتدأ، وجملة * (أولئك أعظم) * خبره وفيه تفكيك الكلام وخروج عن الظاهر لغير موجب فالوجه ما تقدم، ويعلم منه التزاما التفاوت بين الانفاق قبل الفتح والانفاق بعده، وإنما كان أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا بعد لأنهم إنما فعلوا ما فعلوا عند كمال الحاجة إلى النصرة بالنفس والمال لقلة المسلمين وكثرة أعدائهم وعدم ما ترغب فيه النفوس طبعا من كثرة الغنائم فكان ذلك أنفع وأشد على النفس وفاعله أقوى يقينا بما عند الله تعالى وأعظم رغبة فيه، ولا كذلك الذين أنفقوا بعد * (وكلا) * أي كل واحد من الفريقين لا الأولين فقط * (وعد الله الحسنى) * أي المثوبة الحسنى وهي الجنة على ما روى عن مجاهد. وقتادة، وقيل: أعم من ذلك والنصر والغنيمة في الدنيا، وقرأ ابن عامر. وعبد الوارث - وكل - بالرفع، والظاهر أنه مبتدأ والجملة بعده خبر والعائد محذوف أي وعده كما في قوله: وخالد (يحمد) ساداتنا * بالحق لا يحمد بالباطل يريد يحمده والجملة عطف على أولئك أعظم درجة وبينهما من التطابق ما ليس على قراءة الجمهور، ومنع البصريون حذف العائد من خبر المبتدا، وقالوا: لا يجوز إلا في الشعر بخلاف حذفه من جملة الصفة وهم محجوجون بهذه القراءة، وقول بعضهم: فيها إن كل خبر مبتدا تقديره، وأولئك كل، وجملة * (وعد الله) * صفة - كل - تأويل ركيك، وفيه زيادة حذف، على أن بعض النحاة منع وصف - كل - بالجملة لأنه معرفة بتقدير وكلهم، وقال الشهاب: الصحيح ما ذهب إليه ابن مالك من أن عدم جواز حذف العائد من جملة الخبر