والتمكين من النظر فقوله تعالى: * (والرسول يدعوكم) * إشارة إلى الدليل السمعي وهذا إشارة إلى الدليل العقلي وفي التقديم والتأخير ما يؤيد القول بشرف السمعي على العقلي.
وقال البغوي: هو ما كان حين أخرجهم من ظهر آدم وأشهدهم بأنه سبحانه ربهم فشهدوا - وعليه لا مجاز - والأول اختيار الزمخشري، وتعقبه ابن المنير فقال: لا عليه أن يحمل العهد على حقيقته وهو المأخوذ يوم الذر وكل ما أجازه العقل وورد به الشرع وجب الايمان به، وروى ذلك عن مجاهد. وعطاء. والكلبي. ومقاتل، وضعفه الإمام بأن المراد إلزام المخاطبين الايمان ونفي أن يكون لهم عذر في تركه وهم لا يعلمون هذا العهد إلا من جهة الرسول فقبل التصديق بالرسول لا يكون سببا للالزامهم الايمان به، وقال الطيبي: يمكن أن يقال: إن الضمير في * (أخذ) * إن كان لله تعالى فالمناسب أن يراد بالميثاق ما دل عليه قوله تعالى: * (قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدي فمن تبع هداي) * (البقرة: 38) الخ لأن المعنى * (فإما يأتينكم مني هدى) * (طه: 123) برسول أبعثه إليكم وكتاب أنزله عليكم، ويدل على الأول قوله سبحانه: * (والرسول يدعوكم لتؤمنوا) * (الحديد: 8) وعلى الثاني * (هو الذي ينزل على عبده آيات) * (الحديد: 9) الخ، وإن كان للرسول صلى الله عليه وسلم فالظاهر أن يراد به ما في قوله تعالى: * (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه) * (آل عمران: 81) على أن يضاف الميثاق إلى النبيين إضافته إلى الموثق لا الموثق عليه أي الميثاق الذي وثقه الأنبياء على أممهم، وهو الوجه لأن الخطاب مع الصحابة رضي الله تعالى عنهم كما يدل عليه ما بعد، ولعل الميثاق نحو ما روينا عن الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل. وعلى النفقة في العسر واليسر. وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعلى أن نقول في الله تعالى ولا نخاف لومة لائم انتهى.
ويضعف الأول بنحو ما ضعف به الإمام حمل العهد على ما كان يوم الذر، وضعف الثاني أظهر من أن ينبه عليه.
والخطاب قال " صاحب الكشف ": عام يوبخ من لم يؤمن منهم بعدم الايمان ثم من آمن بعدم الانفاق في سبيله.
وكلام أبي حيان ظاهر في أنه للمؤمنين، وجعل آمنوا أمرا بالثبات على الايمان ودوامه * (وما لكم لا تؤمنون) * الخ على معنى كيف لا تثبتون على الايمان ودواعي ذلك موجودة.
وظاهر كلام بعضهم كونه للكفرة وهو الذي أشرنا إليه من قبل، ولعل ما ذكره " صاحب الكشف " أولى إلا أنه قيل عليه: إن آمنوا إذا كان خطابا للمتصفين بالايمان ولغير المتصفين به يلزم استعمال الأمر في طلب أصل الفعل نظرا لغير المتصفين وفي طلب الثبات نظرا للمتصفين وفيه مافيه، ويحتاج في التفصي عن ذلك إلى إرادة معنى عام للأمرين، وقد يقال أراد أنه عمد إلى جماعة مختلفين في الأحوال فأمروا بأوامر شتى وخوطبوا بخطابات متعددة فتوجه كل أمر وكل خطاب إلى من يليق به وهذا كما يقول الوالي لأهل بلده: أذنوا وصلوا ودرسوا وأنفقوا على الفقراء وأوفوا الكيل والميزان إلى غير ذلك فإن كل أمر ينصرف إلى من يليق به منهم فتأمل، وقرىء * (وما لكم لا تؤمنون) * بالله ورسوله، وقرأ أبو عمرو * (وقد أخذ ميثاقكم) * بالبناء للمفعول ورفع * (ميثاقكم) * * (إن كنتم مؤمنين) * شرط جوابه محذوف دل عليه ما قبل، والمعنى إن كنتم مؤمنين لموجب ما فهذا موجب لا موجب وراءه، وجوز أن يكون المراد إن كنتم ممن يؤمن فما لكم لا تؤمنون والحالة هذه، وقال الواحدي: أي إن كنتم مؤمنين بدليل عقلي أو نقلي فقد بان وظهر لكم على يدي محمد صلى الله عليه وسلم ببعثته وإنزال القرآن عليه؛ وأيا ما كان فلا تناقض بين هذا وقوله تعالى: * (وما لكم لا تؤمنون) * وقال الطبري