تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٧٧
في الدنيا حين قالوا آمنا وليسوا بمؤمنين، وذلك قوله تعالى: * (الله يستهزىء بهم) * (البقرة: 15) أي حين يقال لهم ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا، وقال أبو أمامة: يرجعون حين يقال لهم ذلك إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم بسور وهي خدعة الله تعالى التي خدع بها المنافقين حيث قال سبحانه: * (يخادعون الله وهو خادعهم) * (النساء: 142)، وقيل: المراد ارجعوا إلى الدنيا والتمسوا نورا أي بتحصيل سببه وهو الايمان أو تنحوا عنا والتمسوا نورا غير هذا فلا سبيل لكم إلى الاقتباس منه، والغرض التهكم والاستهزاء أيضا. وقيل أرادوا بالنور ما وراءهم من الظلمة الكثيفة تهكما بهم وهو خلاف الظاهر، وأيا ما كان فالظاهر أن وراءكم معمول لارجعوا.
وقيل: لا محل له من الإعراب لأنه بمعنى ارجعوا فكأنه قيل: ارجعوا ارجعوا كقولهم * (وراءك) * أوسع لك أي ارجع تجد مكانا أوسع لك * (فضرب بينهم) * أي بين الفريقين، وقرأ زيد بن علي. وعبيد بن عمير * (فضرب) * مبنيا للفاعل أي فضرب هو أي الله عز وجل * (بسور) * أي بحاجز، قال ابن زيد: هو الاعراف، وقال غير واحد: حاجز غيره والباء مزيدة * (له باب باطنه) * أي الباب كما روي عن مقاتل أو السور وهو الجانب الذي يلي مكان المؤمنين أعني الجنة * (فيه الرحمة) * الثواب والنعيم الذي لا يكتنه * (وظ‍اهره) * الجانب الذي يلي مكان المنافقين أعني النار * (من قبله) * أي من جهته * (العذاب) * وهذا السور قيل: يكون في تلك النشأة وتبدل هذا العالم واختلاف أوضاعه في موضع الجدار الشرقي من مسجد بيت المقدس. أخرج عبد بن حميد عن أبي سنان قال: كنت مع علي بن عبد الله بن عباس عند وادي جهنم يعني المكان المعروف عند بيت المقدس فحدث عن أبيه أنه قال: وقد تلا قوله تعالى: * (فضرب بينهم بسور) * هذا موضع السور عند وادي جهنم، وأخرج هو. وابن جرير. وابن المنذر. والحاكم وصححه وغيرهم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن السور الذي ذكره الله تعالى في القرآن * (فضرب بينهم بسور) * هو سور بيت المقدس الشرقي (باطنه فيه الرحمة) المسجد * (وظاهره من قبله العذاب) * يعني وادي جهنم وما يليه.
وأخرج عن عبادة بن الصامت أنه كان على سور بيت المقدس الشرقي فبكى فقيل: ما يبكيبك؟ فقال: ههنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم ولا يخفى أن هذا ونظائره أمور مبنية على اختلاف العالمين وتغاير النشأتين على وجه لاتصل العقول إلى إدراك كيفيته والوقوف على تفاصيله، فإن صح الخبر لم يسعنا إلا الإيمان لعدم خروج الأمر عن دائرة الإمكان، وأبو حيان حكى عمن سمعت. وعن كعب الاحبار أنه الجدار الشرقي من مسجد بيت المقدس واستبعده ثم قال: ولعله لا يصح عنهم.
* (ين‍ادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ول‍اكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الامانى حتى جآء أمر الله وغركم بالله الغرور) *.
* (ينادونهم) * استئناف مبني على السؤال كأنه قيل: فماذا يفعلون بعد ضرب السور ومشاهدة العذاب؟ فقيل: ينادي المنافقون والمنافقات المؤمينن والمؤمنات * (ألم نكن) * في الدنيا * (معكم) * يريدون به موافقتهم لهم في الظاهر * (قالوا بلى) * كنتم معناكما تقولون * (ول‍اكنكم فتنتم أنفسكم) * محنتموها بالنفاق وأهلكتموها * (وتربصتم) * بالمؤمنين الدوائر * (وارتبتم) * وشككتم في أمور الدين * (وغرتكم الأماني) * الفارغة التي من جملتها الطمع في انتكاس الإسلام،
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»