تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٧٦
* (يوم يقول المن‍افقون والمن‍افق‍ات) * بدل من * (يوم ترى) *، وجوز أن يكون معمولا لا ذكر.
وقال ابن عطية: يظهر لي أن العامل فيه ذلك هو الفوز العظيم، ويكون معنى الفوز عليه أعظم كأنه قيل: إن المؤمنين يفوزون يوم يعتري المنافقين والمنافقات كذا وكذا لأن ظهور المرء يوم خمول عدوه مضادة أبدع وأفخم، وتعقبه في " البحر " بأن ظاهره تقريره أن يوم منصوب بالفوز وهو لا يجوز لأنه مصدر قد وصف قبل أخذ متعلقاته فلا يجوز إعماله ولو أعمل وصفه وهو العظيم لجاز - أي الفوز الذي عظم - أي قدره يوم انتهى، وفي عدم جواز إعمال مثل هذا المصدر في مثل هذا المعمول خلاف، ثم إن تعلق هذا الظرف بشيء من تلك الجملة خلاف الظاهر * (للذين ءامنوا انظرونا) * أي انتظرونا * (نقتبس من نوركم) * نصب منه وذلك أن يلحقوا بهم فيستنيروا به.
وقيل: فيأخذوا شيئا منه يكون معهم تخيلوا تأتى ذلك فقالوه، وأصل الاقتباس طلب القبس أي الجذوة من النار، وجوز أن يكون المعنى انظروا إلينا نقتبس الخ لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم والنور بين أيديهم فيستضيئون به فانظرونا على الحذف والايصال لأن النظر بمعنى مجرد الرؤية يتعدى بإلى فإن أريد التأمل تعدى بفي لكن حمل الآية على ذلك خلاف الظاهر؛ وقولهم: للمؤمنين ذلك لأنهم في ظلمة لا يذرون كيف يمشون فيها، وروى أنه يكون ذلك على الصراط.
وفي الآثار دلالة على أنهم يكون لهم نور فيطفأ فيقولون ذلك، أخرج الطبراني. وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترا منه على عباده وأما عند الصراط فإن الله تعالى يعطي كل مؤمن نورا وكل منافق نورا فإذا استووا على الصراط أطفأ الله نور النافقين والمنافقات فقال المنافقون: انظرونا نقتبس من نوركم، وقال المؤمنون: أتمم لنا نورنا فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا.
وفي حديث آخر مرفوع عنه أيضا إن نور المنافق يطفأ قبل أن يأتي الصراط، وأخرج عبد بن حميد. وابن المنذر عن أبي فاختة يجمع الله تعالى الخلائق يوم القيامة ويرسل الله سبحانه على الناس ظلمة فيستغيثون ربهم فيؤتى الله تعالى كل مؤمن منهم نورا ويؤتى المنافقين نورا فينطلقون جميعا متوجهين إلى الجنة معهم نورهم فبينما هم كذلك إذ أطفأ الله تعالى نور المنافقين فيترددون في الظلمة ويسبقهم المؤمنون بنورهم بين أيديهم فيقولون: انظرونا نقتبس من نوركم الخبر، والاخبار في إيتاء المنافق نورا ثم إطفائه كثيرة وليس في الآية ما يأباه.
وقرأ زيد بن علي. وابن وثاب. والأعمش. وطلحة وحمزة * (أنظرونا) * بقطع الهمزة وفتحها وكسر الظاء من النظرة وهي الإمهال يقال أنظر المديون أي أمهله، وضع * (انظرونا) * بمعنى المهلة وإنظار الدائن المديون موضع اتئاد الرفيق ومشيه الهوينا ليلحقه رفيقه على سبيل الاستعارة بعد سبق تشبيه الحالة بالحالة مبالغة في العجز وإظهار الافتقار، وقيل: هو من أنظر أي أخر، والمراد اجعلونا في آخركم ولا تسبقونا بحيث تفوتونا ولا نلحق بكم.
وقال المهدوي: * (أنظرونا. وانظرونا) * بمعنى وهما من الانتظار تقول العرب: أنظرته بكذا وانتظرته بمعنى واحد والمعنى امهلونا * (قيل) * القائلون على ما روى عن ابن عباس المؤمنون، وعلى ما روى عن مقاتل الملائكة عليهم السلام.
* (ارجعوا وراءكم) * قال ابن عباس: أي من حيث جئتم من الظلمة أو إلى المكان الذي قسم فيه النور على ما صح عن أبي أمامة * (فالتمسوا نورا) * هناك، قال مقاتل: هذا من الاستهزاء بهم كما استهزءوا بالمؤمنين
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»