تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٨٤
ويستأنس لذلك بما جاء من حديث عمر رضي الله تعالى عنه ما لكم إذا رأيتم الرجل يخرق أعراض الناس أن لا تعيبوا عليه؟ قالوا: نخاف لسانه قال: ذلك أحرى أن لا تكونوا شهداء، قال ابن الأثير: أي إذا لم تفعلوا ذلك لم تكونوا في جملة الشهداء الذين يستشهدون يوم القيامة على الأمم التي كذبت أنبياءها، وكذا بقوله عليه الصلاة والسلام: اللعانون لا يكونون شهداء بناءا على أحد قولين فيه.
وفي بعض الأخبار ما ظاهره إرادة طائفة من خواص المؤمنين، أخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من فر بدينه من أرض إلى أرض مخافة الفتنة على نفسه ودينه كتب عند الله صديقا فإذا مات قبضه الله شهيدا وتلا هذه الآية: * (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء) * ثم قال: هذه فيهم ثم قال: والفرارون بدينهم من أرض إلى أرض يوم القيامة مع عيسى ابن مريم في درجته في الجنة " ويجوز أن يراد من قوله: " هذه فيهم " أنها صادقة عليهم وهم داخلون فيها دخولا أوليا، ويقال: في قوله عليه الصلاة والسلام: " مع عيسى في درجته " المراد معه في مثل درجته وتوجه المماثلة بما مر والخبر إذا صح يؤيد الوجه الأول في الآية.
وروي عن الضحاك أنها نزلت في ثمانية نفر سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام وهم أبو بكر. وعمر. وعثمان. وعلي. وحمزة. وطلحة. والزبير. وسعد. وزيد رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وهذا لا يضر في العموم كما لا يخفى، وقيل: الشهداء مبتدأ و * (عند ربهم) * خبره، وقيل: الخبر * (لهم أجرهم) * والكلام عليهما قد تم عند قوله تعالى: * (الصديقون) *، وأخرج هذا ابن جرير عن ابن عباس. والضحاك قالا: * (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون) * هذه مفصولة سماهم صديقين، ثم قال: والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم.
وروي جماعة عن مسروق ما يوافقه، واختلفوا في المراد بالشهداء على هذا فقيل: الشهداء في سبيل الله تعالى.
وحكى ذلك عن مقاتل بن سليمان، وقيل: الأنبياء عليهم السلام الذين يشهدون للأمم عليهم، وحكى ذلك عن مسروق. ومقاتل بن حيان. واختاره الفراء. والزجاج، وزعم أبو حيان أن الظاهر كون الشهداء مبتدأ وما بعده خبر، ومن أنصف يعلم أنه ليس كما قفال، وأن الذي تقتضيه جزالة النظم الكريم هو ما تقدم، ثم النور على الجميع الأوجه على حقيقته، وعن مجاهد. وغيره أنه عبارة عن الهدى والكرامة والبشرى.
* (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا) * أي بجميعها على اختلاف أنواعها وهو إشارة إلى كفرهم بالرسل عليهم السلام جميعهم * (أولئك) * الموصوفون بتلك الصفة القبيحة * (اصح‍ابالجحيم) * بحيث لا يفارقونها أبدا.
* (اعلموا أنما الحيواة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر فى الاموال والاول‍اد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفى الاخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحيواة الدنيآ إلا مت‍اع الغرور) *.
* (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأول‍اد) * بعدما بين حال الفريقين في الآخرة شرح حال الحياة التي اطمأن بها الفريق الثاني، وأشير إلى أنها من محقرات الأمور التي لا يركن إليها العقلاء فضلا عن الاطمئنان بها بأنها لعب لا ثمرة فيها سوى التعب * (ولهو) * تشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه * (وزينة) * لا يحصل منها شرف ذاتي كالملابس الحسنة والمراكب البهية والمنازل الرفيعة * (وتفاخر) * بالأنساب والعظام البالية * (وتكاثر) * بالعدد والعدد، وقرأ السلمي * (وتفاخر بينكم) * بالإضافة، ثم أشير إلى أنها مع ذلك سريعة الزوال وشيكة الاضمحلال بقوله سبحانه: * (كمثل غيث) * مطر أعجب الكفار) * أي راقهم * (نعبعاته) * أي النبات الحاصل به، والمراد بالكفار إما الحراث على ما روي عن ابن مسعود لأنهم يكفرون أي يسترون
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»