في ذلك: المراد إن كنتم مؤمنين في حال من الأحوال فآمنوا الآن؛ وقيل: المراد إن كنتم مؤمنين بموسى وعيسى عليهما السلام فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فإن شريعتهما تقتضي الايمان به عليه الصلاة والسلام أو إن كنتم مؤمنين بالميثاق المأخوذ عليكم في عالم الذر فآمنوا الآن، وقيل: المراد إن دمتم على الايمان فأنتم في رتب شريفة وأقدار رفيعة، والكل كما ترى.
وظاهر الأخير أن الخطاب مع المؤمنين وهو الذي اختاره الطيبي، وقال في هذا الشرط: يمكن أن يجري على التعليل كما في قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) * (البقرة: 278) لأن الكلام مع المؤمنين على سبيل التوبيخ والتقريع يدل عليه ما بعد.
* (هو الذى ينزل على عبده ءايات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم) *.
* (هو الذي ينزل على عبده) * حسبما يعن لكم من المصالح * (ءايات بينات) * واضحات، والظاهر أن المراد بها آيات القرآن، وقيل: المعجزات * (ليخرجكم) * أي الله تعالى إذ هو سبحانه المخبر عنه، أو العبد لقرب الذكر والمراد ليخرجكم بها * (من الظلماات إلى النور) * من ظلمات الكفر إلى نور الايمان، وقرىء في السبعة ينزل مضارعا فبعض ثقل وبعض خفف.
وقرأ الحسن بالوجهين، وقرأ زيد بن علي. والأعمش أنزل ماضيا * (وإن الله بكم لرءوف رحيم) * مبالغ في الرأفة والرحمة حيث أزال عنكم موانع سعادة الدارين وهداكم إليها على أتم وجه، وقرىء في السبعة * (لرؤوف) * بواوين، وقوله عز وجل:
* (وما لكم ألا تنفقوا فى سبيل الله ولله ميراث السماوات والارض لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولائك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير) *.
* (وما لكم ألا تنفقوا) * توبيخ على ترك الانفاق إما للمؤمنين الغير المنفقين أو لأولئك الموبخين أولا على ترك الايمان، وبخهم سبحانه على ذلك بعد توبيخهم على ترك الايمان بإنكار أن يكون لهم في ذلك أيضا عذر من الأعذار، و * (أن) * مصدرية لا زائدة كما قيل، واقتضاه كلام الأخفش والكلام على تقدير حرف الجر، فالمصدر المؤول في محل نصب أو جر على القولين وحذف مفعول الانفاق للعلم به مما تقدم وقوله تعالى: * (في سبيل الله) * لتشديد التوبيخ، والمراد به كل خير يقربهم إليه تعالى على سبيل الاستعارة التصريحية أي أي شيء لكم في أن لا تنفقوا فيما هو قربة إلى الله تعالى ما هو له في الحقيقة وإنما أنتم خلفاؤه سبحانه في صرفه إلى ما عينه عز وجل من المصارف، أو ما انتقل إليكم من غيركم وسينتقل منكم إلى الغير.
* (ولله ميراث السموات والأرض) * أي يرث كل شيء فيهما ولا يبقى لأحد مال على أن ميراثهما مجاز أو كناية عن ميراث ما فيهما لأن أخذ الظرف يلزمه أخذ المظروف. وجوز أن يراد يرثهما وما فيهما، واختير الأول أنه يكفي لتوبيخهم إذ لا علاقة لأخذ السماوات والأرض هنا، والجملة حال من فاعل لا تنفقوا أو مفعوله مؤكدة للتوبيخ فإن ترك الانفاق بغير سبب قبيح منكر ومع تحقق ما يوجب الانفاق أشد في القبح وأدخل في الإنكار فإن بيان بقاء جميع ما في السماوات والأرض من الأموال بالآخرة لله عز وجل من غير أن يبقى لأحد من أصحابها شيء أقوى في إيجاب الانفاق عليهم من بيان أنها لله تعالى في الحقيقة، أو أنها انتقلت إليهم من غيرهم كأنه قيل: وما لكم في ترك إنفاقها في سبيل تعالى، والحال أنه لا يبقى لكم ولا لغيركم منها شيء بل تبقى كلها لله عز وجل، وإظهار الاسم الجليل في موقع الاضمار لزيادة التقرير وتربية المهابة، وقوله تعالى: * (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل) * بيان لتفاوت درجات المنفقين حسب تفاوت أحوالهم في الانفاق بعد بيان أن لهم أجرا كبيرا على الإطلاق حثا لهم على تحري الأفضل،