تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٠٢
ورجح القولان الأخيران بأن ما بعد أشد ملاءمة لهما وبين الوضع والرفع عليهما تقابل، وقد قرأ عبد الله - وخفض الميزان - والأول بأنه أتم فائدة فزن ذلك بميزان ذهنك.
* (ألا تطغوا فى الميزان) *.
* (ألا تطغوا في الميزان) * أي لئلا تطغوا فيه أي حقه وشأنه بأن تعتدوا وتتجاوزوا ما ينبغي فيه على أن * (أن) * ناصبة و * (لا) * نافية ولام العلة مقدرة متعلقة بقوله تعالى: * (وضع الميزان) * وجوز ابن عطية. والزمخشري كون * (أن) * تفسيرية، و * (لا) * ناهية.
واعترضه أبو حيان بأنه لم يتقدم جملة فيها معنى القول وهو شرط في صحة جعل * (أن) * مفسرة، وأجيب بأن وضع الميزان فيه ذلك لأنه بالوحي وإعلام الرسل عليهم السلام، وزعم بعضهم أن التفسير متعين لأنه لا معنى لوضع الميزان لئلا تطغوا في الميزان إذ المناسب الموزون ونحوه، وفيه ما لا يخفى، وفي " البحر " قرأ إبراهيم * (ووضع الميزان) * بإسكان الضاد، وخفض الميزان على أن * (وضع) * مصدر مضاف إلى ما بعده ولم يبين هل * (وضع) * مرفوع أو منصوب، فإن كان مرفوعا فالظاهر أنه مبتدأ * (وأن لا تطغوا) * بتقدير الجار في موضع الخبر. وإن كان منصوبا فالظاهر أن عامله مقدر أي وفعل * (وضع الميزان) * أو ووضع وضع الميزان * (أن لا تطغوا) * الخ، وقرأ عبد الله - لا تطغوا - بغير * (أن) * على إرادة القول أي قائلا، أو نحوه لأقل - كما قيل - و * (لا) * ناهية بدليل الجزم.
* (وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) *.
* (وأقيموا الوزن بالقسط) * قوموا وزنكم بالعدل، وقال الراغب: هذا إشارة إلى مراعاة المعدلة في جميع ما يتحراه الإنسان من الأفعال والأقوال، وعن مجاهد أن المعنى أقيموا لسان الميزان بالعدل إذا أردتم الأخذ والإعطاء، وقال سفيان بن عيينة: الإقامة باليد، والقسط بالقلب، والظاهر أن الجملة عطف على الجملة المنفية قبلها ولا يضر في ذلك كونها إنشائية، وتلك خبرية لأنها لتأويلها بالمفرد تجردت عن معنى الطلب، وجعل بعضهم * (لا) * في الأولى مطلقا ناهية حرصا على التوافق * (ولا تخسروا الميزان) * أي لا تنقصوه فإن من حقه أن يسوى لأنه المقصود من وضعه وكرر لفظ * (الميزان) * بدون إضماره كما هو مقتضى الظاهر تشديدا للتوصية وتأكيدا للأمر باستعماله والحث عليه، بل في الجمل الثلاث تكرار ما معنى لذلك، وقرىء * (ولا تخسروا) * بفتح التاء وضم السين، وقرأ زيد بن علي. وبلال بن أبي بردة بفتح التاء وكسر السين.
وحكى ابن جني. وصاحب اللوامح عن بلال أنه قرأ بفتحهما، وخرج ذلك الزمخشري على أن الأصل - ولا تخسروا في الميزان - فحذف الجار، وأوصل الفعل بناءا على أنه لم يجىء إلا لازما، وتعقبه أبو حيان بأن خسر قد جاء متعديا كقوله تعالى: * (خسروا أنفسهم) * (الأنعام: 12) * (وخسر الدنيا والآخرة) * (الحج: 11) فلا حاجة إلى دعوى الحذف والإيصال، وأجيب بأنه على تقدير أن يكون متعديا هنا لا بد من القول بالحذف والإيصال لأن المعنى على حذف المفعول به أي لا تخسروا أنفسكم في الميزان أي لا تكونوا خاسريها يوم القيامة بسبب الميزان بأن لا تراعوا ما ينبغي فيه، والراغب جوز حمل الآية على القراءة المشهورة على نحو هذا فقال: إن قوله تعالى: * (وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) * يجوز أن يكون إشارة إلى تحري العدالة في الوزن وترك الحيف فيما يعاطاه فيه، ويجوز أن يكون إشارة إلى تعاطي ما لا يكون به في القيامة خاسرا فيكون ممن قال سبحانه فيه: * (من خفت موازينه) * (القارعة: 8) وكلا المعنيين متلازمان، وقيل: المعنى على التعدي بتقدير مضاف أي موزون الميزان، أو جعل الميزان مجازا عن الموزون فيه فتأمل ولا تغفل.
* (والارض وضعها للانام) *.
* (والأرض وضعها) * خلقها موضوعة مخفوضة عن السماء حسبما يشاهد، وقال الراغب: الوضع هنا الإيجاد والخلق وكأن مراده ما ذكر، وقيل: أي خفضها مدحوة على الماء،
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»