تعليمه إلى اسم * (الرحمن) * للإيذان بأنه من آتار الرحمة الواسعة وأحكامها، وتقديم المسند إليه إما للتأكيد أو للحصر، وفيه من تعظيم شأن القرآن ما فيه، وقيل: * (الرحمن) * خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ خبره محذوف أي الله الرحمن، أو الرحمن ربنا وما بعد مستأنف لتعديد نعمه عز وجل وهو خلاف الظاهر، ثم أتبع سبحانه نعمة تعليم القرآن بخلق الإنسان فقال تعالى:
* (خلق الإنسان) *.
* (خلق الإنسان) * لأن أصل النعم عليه، وإنما قدم ما قدم منها لأنه أعظمها، وقيل: لأنه مشير إلى الغاية من خلق الإنسان وهو كماله في قوة العلم والغاية متقدمة على ذي الغاية ذهنا وإن كان الأمر بالعكس خارجا، والمراد بالإنسان الجنس وبخلقه إنشاؤه على ما هو عليه من القوى الظاهرة والباطنة، ثم أتبع عز وجل ذلك بنعمة تعليم * (البيان) * فقال سبحانه:
* (علمه البيان) *.
* (علمه البيان) * لأن البيان هو الذي به يتمكن عادة من تعلم القرآن وتعليمه، والمراد به المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير.
والمراد بتعليمه نحو ما مر، وفي " الإرشاد " أن قوله تعالى: * (خلق الإنسان) * تعيين للمتعلم، وقوله سبحانه: * (علمه البيان) * تبيين لكيفية التعليم، والمراد بتعليم البيان تمكين الإنسان من بيان نفسه، ومن فهم بيان غيره إذ هو الذي يدور عليه تعليم القرآن. وقيل: بناءا على تقدير المفعول المحذوف الملائكة المقربين إن تقديم تعليم القرآن لتقدمه وقوعا فهم قد علموه قبل خلق الإنسان وربما يرمز إليه قوله تعالى: * (إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون) * (الواقعة: 77 - 79) وفي " النظم الجليل " عليه حسن زائد حيث إنه تعالى ذكر أمورا علوية وأمورا سفلية وكل علوي قابله بسفلي ويأتي هذا على تقدير المفعول جبريل عليه السلام أيضا؛ وقال الضحاك: * (البيان) * الخير والشر، وقال ابن جريج: سبيل الهدى وسبيل الضلالة، وقال يمان: الكتابة والكل كما ترى، وجوز أن يراد به القرآن وقد سماه الله تعالى بيانا في قوله سبحانه: * (هذا بيان) * وأعيد ليكون الكلام تفصيلا لإجمال علم القرآن وهذا في غاية البعد. وقال قتادة: * (الإنسان) * آدم. و * (البيان) * علم الدنيا والآخرة، وقيل: * (البيان) * أسماء الأشياء كلها. وقيل: التكلم بلغات كثيرة، وقيل: الاسم الأعظم الذي علم به كل شيء، ونسب هذا إلى جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه.
وقال ابن كيسان: * (الإنسان) * محمد صلى الله عليه وسلم. وعليه قيل: المراد بالبيان بيان المنزل. والكشف عن المراد به كما قال تعالى: * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) * (النحل: 44) أو الكلام الذي يشرح به المجمل والمبهم في القرآن أو القرآن نفسه على ما سمعت آنفا، أو نحو ذلك مما يناسبه عليه الصلاة والسلام ويليق به من المعاني السابقة، ولعل ابن كيسان يقدر مفعول علم الإنسان مرادا به النبي صلى الله عليه وسلم أيضا، وهذه أقوال بين يديك، والمتبادر من الآيات الكريمة لا يخفى عليك ولا أظنك في مرية من تبادر ما ذكرناه فيها أولا. ثم إن كلا من الجملتين الأخيرتين خبر عن المبتدأ كجملة * (علم القرآن) * (الرحمان: 2) وكذا قوله تعالى:
* (الشمس والقمر بحسبان) *.
* (الشمس والقمر بحسبان) * والجار والمجرور فيه خبر بتقدير مضاف أي جري * (الشمس والقمر) * كائن أو مستقر * (بحسبان) * أو الخبر محذوف والجار متعلق به أي يجريان بحسبان وهو مصدر كالغفران بمعنى الحساب - كما قال قتادة. وغيره - أي هما يجريان * (بحسبان) * مقدر في بروجهما ومنازلهما بحيث ينتظم بذلك أمور الكائنات السفلية وتختلف الفصول والأوقات ويعلم السنون والحساب، وقال الضحاك. وأبو عبيدة: هو جمع حساب كشهاب وشهبان أي هما يجريان بحسابات شتى في بروجهما ومنازلهما، وقال مجاهد: الحسبان الفلك المستدير من حسبان الرحا وهو ما أحاط بها من أطرافها المستديرة، وعليه فالباء للظرفية، والجار والمجرور في موضع