والظاهر على تقدير اعتبار الدحو أنه لا حاجة إلى اعتبار أنه سبحانه خلقها كذلك بل لا يصح لأنها لم تخلق مدحوة وإنما دحيت بعد على ما روي عن ابن عباس، ثم إن كونها على الماء مبني على ما اشتهر أنه عز وجل خلق الماء قبلها وخلقها سبحانه من زبده * (للأنام) * قال ابن عباس. وقتادة. وابن زيد. والشعبي. ومجاهد على ما في مجمع البحرين: الحيوان كله، وقال الحسن: الإنس والجن.
وفي رواية أخرى عن ابن عباس هم بنو آدم فقط ولم أر هذا التخصيص لغيره رضي الله تعالى عنه، ففي " القاموس " الأنام الخلق أو الجن والإنس، أو جميع ما على وجه الأرض، ويحتمل أنه أراد أن المراد به هنا ذلك بناءا على أن اللام للانتفاع وأنه محمول على الانتفاع التام وهو للإنس أتم منه لغيرهم، والأولى عندي ما حكى عنه أولا، وقرأ أبو السمال * (والأرض) * بالرفع، وقوله تعالى:
* (فيها فاكهة والنخل ذات الاكمام) *.
* (فيها فاكهة) * الخ استئناف مسوق لتقرير ما أفادته الجملة السابقة من كون الأرض موضوعة لنفع الأنام، وقيل: حال مقدرة من الأرض، أو من ضميرها، فالأحسن حينئذ أن يكون الحال هو الجار والمجرور، و * (فاكهة) * رفع على الفاعلية والتنوين بمعونة المقام للتكثير أي فيها ضروب كثيرة مما يتفكه به * (والنخل ذات الأكمام) * هي أوعية التمر أعني الطلع على ما روي عن ابن عباس جمع - كم - بكسر الكاف وقد تضم، وهذا في - كم - الثمر، وأما - كم - القميص فهو بالضم لا غير، أو كل ما يكم ويغطى من ليف وسعف وطلع فإنه مما ينتفع به كالمكموم من الثمر والجمار مثلا، واختاره من اختاره، ومما ذكر يعلم فائدة التوصيف.
* (والحب ذو العصف والريحان) *.
* (والحب) * هو ما يتغذى به كالحنطة والشعير * (ذو العصف) * قيل: هو ورق الزرع، وقيده بعضهم باليابس، وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه التبن، وأخرج ابن جرير. وابن المنذر عن الضحاك أنه القشر الذي يكون على الحب؛ وعن السدي. والفراء أنه بقل الزرع وهو أول ما ينبت، وأخرجه غير واحد عن الحبر أيضا، واختار جمع ما روي عنه أولا، وفي توصيف الحب بما ذكر تنبيه على أنه سبحانه كما أنعم عليهم بما يقوتهم من الحب أنعم عليهم بما يقوت بهائمهم من العصف * (والريحان) * هو كل مشموم طيب الريح من النبات على ما أخرجه ابن جرير عن ابن زيد، وأخرج عن الحسن أنه قال: هو ريحانكم هذا أي الريحان المعروف؛ وأخرج عن مجاهد أنه الرزق بل قال ابن عباس: كما أخرج هو أيضا عنه كل ريحان في القرآن فهو رزق، وزعم الطبرسي أنه قول الأكثر، وعليه قول بعض الأعراب، وقد قيل له: إلى أين أطلب من ريحان الله فإنه أراد من رزقه عز وجل، ووجه إطلاقه عليه أنه يرتاح له، وظاهر كلام الكشاف أنه أطلق وأريد منه اللب ليطابق العصف ويوافق المراد منه في قراءة. حمزة. والكسائي. والأصمعي عن أبي عمرو * (والريحان) * بالجر عطفا على * (العصف) * إذ يبعد عليها حمله على المشموم والقريب حمله على اللب فكأنه قيل: والحب ذو العصف الذي هو رزق دوابكم، وذو اللب الذي هو رزق لكم، وجوز أن يكون الريحان في هذه القراءة عطفا على فاكهة كما في قراءة الرفع، والجر للمجاورة وهو كما ترى، والزمخشري بعد أن فسر * (الأكمام) * بما ذكرناه ثانيا فيها * (والريحان) * باللب قال: أراد سبحانه فيها ما يتلذذ به من الفواكه، والجامع بين التغذي والتلذذ - وهو ثمر النخل - وما يتغذى به - وهو الحب - وهو على ما في " الكشف " بيان لإظهار وجه الامتنان وأنه مستوعب لأقسام ما يتناول في حال الرفاهية لأنه إما للتلذذ الخالص وهو الفاكهة؛ أوله وللتغذي أيضا