* (يسأله من في السموات والأرض) * (الرحمن: 29) الآية، وحكى الاستثناء المذكور في جمال القراء عن بعضهم ولم يعينه، وعدد آياتها ثمان وسبعون آية في الكوفي والشامي، وسبع وسبعون في الحجازي، وست وسبعون في البصرى. ووجه مناسبتها لما قبلها على ما قال الجلال السيوطي: أنه لما قال سبحانه في آخر ما قيل * (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) * (القمر: 46) ثم وصف عز وجل حال المجرمين * (في سقر) * (المدثر: 42)؛ وحال المتقين * (في جنات ونهر) * (القمر: 54) فصل هذا الإجمال في هذه السورة أتم تفصيل على الترتيب الوارد في الإجمال فبدأ بوصف مرارة الساعة، والإشارة إلى شدتها، ثم وصف النار وأهلها، ولذا قال سبحانه: * (يعرف المجرمون بسيماهم) * (الرحمن: 41) ولم يقل الكافرون، أو نحوه لاتصاله معنى بقوله تعالى هناك: * (إن المجرمين) * (الزخرف: 74)، ثم وصف الجنة وأهلها، ولذا قال تعالى فيهم: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * (الرحمان: 46) وذلك هو عين التقوى ولم يقل ولمن آمن، أو أطاع، أو نحوه لتتوافق الألفاظ في التفصيل والمفصل؛ ويعرف بما ذكر أن هذه السورة كالشرح لآخر السورة قبلها، وقال أبو حيان في ذلك: أنه تعالى لما ذكر هناك مقر المجرمين في سعر، ومقر المتقين * (في جنات ونهر) * * (عند مليك مقتدر) * (القمر: 55) ذكر سبحانه هنا شيئا من آيات الملك وآثار القدرة، ثم ذكر جل وعلا مقر الفريقين على جهة الإسهاب إذ كان ذكره هناك على جهة الاختصار، ولما أبرز قوله سبحانه: * (عند مليك مقتدر) * (القمر: 54) بصورة التنكير فكأن سائلا يسأل ويقول من المتصف بهاتين الصفتين الجليلتين؟ فقيل: * (الرحمن) * (الرحمان: 1) الخ، والأولى عندي أن يعتبر في وجه المناسبة أيضا ما في الإرشاد وهو أنه تعالى لما عدد في السورة السابقة ما نزل بالأمم السالفة من ضروب نقم الله عز وجل، وبين عقيب كل ضرب منها أن القرآن قد يسر لتذكر الناس واتعاظهم ونعى عليهم إعراضهم عن ذلك عدد في هذه السورة الكريمة ما أفاض على كافة الأنام من فنون نعمه الدينية والدنيوية والأنفسية والآفاقية وأنكر عليهم إثر كل فن منها إخلالهم بمواجب شكرها، وهذا التكرار أحلى من السكر إذا تكرر، وفي " الدرر " و " الغرر " لعلم الهدى السيد المرتضى التكرار في سورة * (الرحمن ) * إنما حسن للتقرير بالنعم المختلفة المعددة، فكلما ذكر سبحانه نعمة أنعم بها وبخ على التكذيب بها كما يقول الرجل لغيره ألم أحسن إليك بأن خولتك في الأموال؟ ألم أحسن إليك بأن فعلت بك كذا وكذا؟ فيحسن فيه التكرير لاختلاف ما يقرر به وهو كثير في كلام العرب وأشعارهم كقول مهلهل يرثي كليبا: على أن ليس عدلا من كليب * إذا ما ضيم جيران المجير على أن ليس عدلا من كليب * إذا رجف العضاه من الدبور على أن ليس عدلا من كليب * إذا خرجت مخبأة الخدور على أن ليس عدلا من كليب * إذا ما أعلنت نجوى الأمور على أن ليس عدلا من كليب * إذا خيف المخوف من الثغور على أن ليس عدلا من كليب * غداة تأثل الأمر الكبير على أن ليس عدلا من كليب * إذا ما خار جاش المستجير ثم أنشد قصائد أخرى على هذا النمط ولولا خوف الملل لأوردتها، ولا يرد على ما ذكره أن هذه الآية قد ذكرت بعد ما ليس نعمة لما ستعلمه إن شاء الله تعالى في محله، وقسم في الإتقان التكرار إلى أقسام، وذكر أن منه ما هو لتعدد المتعلق بأن يكون المكرر ثانيا متعلقا بغير ما تعلق به الأول؛ ثم قال: وهذا القسم يسمى بالترديد وجعل منه قوله تعالى: * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) * (الرحمان: 13) فإنها وإن تكررت إحدى وثلاثين مرة فكل واحدة
(٩٧)