ما لم تعلم ولما تعمل بما قد علمت فإن مثل ذلك مثل رجل احتطب حطبا فحمل حزمة وذهب يحملها فعجز عنها فضم إليها أخرى، وقوله: يا بني إذا أردت أن تواخي رجلا فأغضبه قبل ذلك فإن أنصفك عند غضبه وإلا فاحذره، وقوله: لتكن كلمتك طيبة وليكن وجهك بسطاتكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء، وقوله: يا بني أنزل نفسك من صاحبك منزلة من لا حاجة له بك ولا بد لك منه، يا بني كن كمن لا يبتغي محمدة الناس ولا يكسب ذمهم فنفسه منه في عناء والناس منه في راحة، وقوله: يا بني امتنع بما يخرج من فيك فإنك ما سكت سالم وإنما ينبغي لك من القول ما ينفعك إلى غير ذلك مما لا يحصى * (أن أشكر لله) * أي أي أشكر على أن * (أن) * تفسيرية وما بعدها تفسير لايتاء الحكمة وفيه معنى القول دون حروفه سواء كان بإلهام أو وحي أو تعليم.
وجوز أن يكون تفسيرا للحكمة باعتبار ما تضمنه الأمر، وجعل الزجاج * (أن) * مصدرية بتقدير اللام التعليلية ولا يفوت معنى الأمر كما مر تحقيقه.
وحكى سيبويه كتبت إليه بأن قم، والجار متعلق بآتينا، وجوز كونها مصدرية بلا تقدير على أن المصدر بدل اشتمال من الحكمة، وهو بعيد * (ومن يشكر) * الخ استئناف مقرر لمضمون ما قبله موجب للامتثال بالأمر أي ومن يشكر له تعالى * (فإنما يشكر لنفسه) * لأن نفعه من ارتباط القيد واستجلاب المزيد والفوز بجنة الخلود مقصورة عليها * (ومن كفر فإن الله غني) * عن كل شيء فلا يحتاج إلى الشكر ليتضرر بكفر من كفر * (حميد) * حقيق بالحمد وإن لم يحمده أحد أو محمود بالفعل ينطق بحمده تعالى جميع المخلوقات بلسان الحال، فحميد فعيل بمعنى محمود على الوجهين، وعدم التعرض لكونه سبحانه وتعالى مشكورا لما أن الحمد متضمن للشكر بل هو رأسه كما قال صلى الله عليه وسلم: " الحمد رأس الشكر لم يشكر الله تعالى عبد لم يحمده " فإثباته له تعالى إثبات للشكر له قطعا، وفي اختيار صيغة المضي في هذا الشق قيل: إشارة إلى قبح الكفران وأنه لا ينبغي إلا أن يعد في خبر كان، وقيل إشارة إلى أنه كثير متحقق بخلاف الشكر * (وقليل من عبادي الشكور) * (سبأ: 13) وجواب الشرط محذوف قام مقامه قوله تعالى: * (فإن الله) * الخ، وكان الأصل ومن كفر فإنما يكفر على نفسه لأن الله غني حميد، وحاصله ومن كفر فضرر كفره عائد عليه لأنه تعالى غني لا يحتاج إلى الشكر ليتضرر سبحانه بالكفر محمود بحسب الاستحقاق أو بنطق ألسنة الحال فكلا الوصفين متعلقن بالشق الثاني، وجوز أن يكون * (غني) * تعليلا لقوله سبحانه: * (فإنما يشكر لنفسه) * وقوله عز وجل: * (حميد) * تعليلا للجواب المقدر للشرط الثاني بقرينة مقابله وهو فإنما يكفر على نفسه، وأن يكون كل منهما متعلقا بكل منهما، ولا يخفى ما في ذلك من التكلف الذي لم يدع إليه ولم تقم عليه قرينة فتدبر.
* (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابنى لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) *.
* (وإذ قال لقمان لابنه) * تاران على ما قال الطبري. والقتيبي؛ وقيل: ماثا بالمثلثة، وقيل: أنعم، وقيل: أشكم وهما بوزن أفعل، وقيل: مشكم بالميم بدل الهمزة، و * (إذ) * معمول لا ذكر محذوفا، وقيل: يحتمل أن يكون ظرفا لآتينا والتقدير وآتيناه الحكمة إذ قال واختصر لدلالة المقدم عليه، وقوله تعالى: * (وهو يعظه) * جملة حالية، والوعظ - كما قال الراغب - زجر مقترن بتخويف، وقال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب * (يا بني) * تصغير إشفاق ومحبة لا تصغير تحقير.