تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٨١
و * (جنات النعيم) * مرتفعا به على الفاعلية، وقوله تعالى:
* (خ‍الدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم) *.
* (خالدين فيها) * حال من الضمير المجرور أو المستتر في * (لهم) * بناء على أنه خبر مقدم أو من * (جنات) * بناء على أنه فاعل الظرف لاعتماده بوقوعه خبرا والعامل ما تعله به اللام.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما * (خالدون) * بالواو وهو بتقدير هو * (وعد الله) * مصدر مؤكد لنفسه أي لما هو كنفسه وهي الجملة الصريحة في معناه أعني قوله تعالى: * (لهم جنات النعيم) * فإنه صريح في الوعد.
وقوله تعالى: * (حق) * مصدر مؤكد لتلك الجملة أيضا إلا أنه يعد مؤكدا لغيره إذ ليس كل وعد حقا في نفسه.
وجوز أن يكون مؤكدا لوعد الله المؤكد، وأن يكون مؤدا لتلك الجملة معدودا من المؤكد لنفسه بناء على دلالتها على التحقيق والثبات من أوجه عدة وهو بعيد. وفي " الكشف " لا يصح ذلك لأن الأخبار المؤكدة لا تخرج عن احتمال البطلان فتأمل * (وهو العزيز) * الذي لا يغلبه شيء ليمنع من انجاز وعده وتحقيق وعيده * (الحكيم) * الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة، ويفهم هذا الحصر من الفحوى، والجملة تذييل لحقية وعده تعالى المخصوص بمن ذكر المومى إلى الوعيد لأضدادهم.
* (خلق السم‍اوات بغير عمد ترونها وألقى فى الارض رواسى أن تميد بكم وبث فيها من كل دآبة وأنزلنا من السمآء مآء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم) *.
* (خلق السموات بغير عمد) * الخ استئناف جيء به للاستشهاد بما فصل فيه على عزته عز وجل التي هي كمال القدرة وحكمته التي هي كمال العلم وإتقان العمل وتمهيد قاعدة التوحيد وتقريره وإبطال أمر الإشراك وتبكيت أهله، والعمد جمع عماد كأهب جمع أهاب وهو ما يعمد به أي يسند يقال عمدت الحائط إذا دعمته أي خلقها بغير دعائم على أن الجمع لتعدد السماوات، وقوله تعالى: * (ترونها) * استئناف في جواب سؤال تقديره ما الدليل على ذلك؟ فهو مسوق لا ثبات كونها بلا عمد لأنها لو كانت لها عمد رؤيت فالجملة لا محل لها من الإعراب والضمير المنصوب للسماوات والرؤية بصرية لا علمية حتى يلزم حذف أحد مفعوليها، وجوز أن يكون صفة لعمد فالضمير لها أي خلقها بغير عمد مرئية على التقييد للرمز إلى أنه تعالى عمدها بعمد لا ترى وه يعمد القدرة، وروى ذلك عن مجاهد وكون عمادها في كل عصر الإنسان الكامل في ذلك العصر ولذا إذا انقطع الإنسان الكامل وذلك عند انقطاع النوع الإنساني تطوي السماوات كطي السجل للكتب كلام لا عماد له من كتاب أو سنة فيما نعلم وفوق كل ذي علم عليم * (وألقى في الأرض رواسي) * بيان لصنعه تعالى البديع في قرار الأرض إثر بيان صنعه عز وجل الحكيم في قرار السماوات أي ألقى فيها جبالا شوامخ أو ثوابت كراهة * (أن تميد) * أو لئلا تميد أي تضطرب * (بكم) * لو لم يلق سبحانه وتعالى فيها رواسي لما أن الحكم اقتضت خلقها على حال لو خلت معه عن الجبال لمادت بالمياه المحيطة بها الغامرة لأكثرها والرياح العواصف التي تقتضي الحكمة هبوبها أو بنحو ذلك، وقد يعد منه حركة ثقيل عليها، وقد ذكر بعض الفلاسفة أنه يلزم بناء على كرية الأرض ووجوب انطباق مركز ثقلها على مركز العالم حركتها مع ما فيها من الجبال بسبب حركة ثقيل من جانب منها إلى آخر لتغير مركز الثقل حينئذ إلا أنه لم يظهر ذلك لكون الأثقال المتحركة عليها كلا شيء بالنسبة إليها مع ما فيها، ولعل من يعد حركة الثقيل عليها من أسباب الميد لو خلت من الجبال يقول: لا يبعد حركة ثقيل عليها كما جرى من مكان إلى آخر فاجتمع حتى صار بحرا عظيما مع ما ينضم إلى ذلك مما تنقله الأهوية من الرمال الكثيرة والتراب يكون له مقدار يعتقد به بالنسبة إلى الأرض خالية من الجبال فتتحرك بحركته إلى خلاف جهته، ثم إن الميد لولا الرواسي بنحو المياه والرياح متصور على
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»