* (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا ءامنا بالذى أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلاهنا وإلاهكم واحد ونحن له مسلمون) *.
* (ولا تجادلوا أهل الكتاب) * من اليهود والنصارى، وقيل: من نصارى نجارن * (إلا بالتي هي أحسن) * أي بالخصلة التي هي أحسن كمقابلة الخشونة باللين، والغضب بالكظم، والمشاغبة بالنصح، والسورة بالإناة كما قال سبحانه: * (ادفع بالتي هي أحسن) * (المؤمنون: 96) * (إلا الذين ظلموا منهم) * بالافراد في الاعتداء والعناد، ولم يقبلوا النصح، ولم ينفع فيهم الرفق فاستعملوا معهم الغلظة.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد أن الذين ظلموا هم الذين أثبتوا الولد والشريك أو قالوا يد الله تعالى مغلولة، أو الله سبحانه فقير، أو آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الغلظة التي نفهم الآية الاذن بها لا تصل إلى القتال لأولئك الظالمين من أهل الكتاب على أي وجه من الوجوه المذكورة كان ظلمهم لأن ظاهر كون السورة مكية أن هذه الآية مكية، والقتال في المشهور لم يشرع بمكة وليست الغلظة محصورة فيه كما لا يخفى، وقيل: المعنى ولا تجادلوا الداخلين في الذمة المؤدين للجزية إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا فنبذوا الذمة ومنعوا الجزية فإن أولئك مجادلتهم بالسيف.
وأخرج ابن جرير. وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ما يقرب منه، وتعقب بأن السورة مكية والحرب والجزية مما شرع بالمدينة، وكون الآية بيانا لحكم آت بعد بعيد وأيضا لا قرينة على التخصيص.
وقيل: يجوز أن يكون القائل بذلك ذاهبا إلى أن الآية مدنية ومكبة السورة باعتبار أغلب آياتها؛ أو ممن يقول: بأن الحرب شرع بمكة في آخر الأمر، والسورة آخر ما نزل بها إلا أنه لم يقع وعدم الوقوع لا يدل على عدم المشروعية.
وعن ابن زيد أن المراد بأهل الكتاب مؤمنو أهل الكتاب وبالتي هي أحسن موافقتهم فيما حدثوا به من أخبار أوائلهم وبالذين ظلموا من بقي منهم على كفره وهو كما ترى، واختلف في نسخ الآية. فأخرج أبو داود في ناسخه. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وابن الأنباري في المصاحف عن قتادة أنه قال: نهى في هذه الآية عن مجادلة أهل الكتاب، ثم نسخ ذلك فقال سبحانه: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) * (التوبة: 29) الآية ولا مجادلة أشد من السيف، وقال في مجمع البيان: الصحيح أنها غير منسوخة لأن المراد بالجدال المناظرة وذلك على الوجه الأحسن هو الواجب الذي لا يجوز غيره.
وقال بعض الأجلة: إن المجادلة بالحسنى في أوائل الدعوة لأنها تتقدم القتال فلا يلزم النسخ ولا عدم القتال بالكلية، وأما كون النهي يدل على عموم الأزمان فيلزم النسخ فلا يتم ما ذكر فيدفعه أن من يقاتل كمانع الجزية داخل في المستثنى فلا نسخ وإنما هو تخصيص بمتصل، وكون ذلك يقتضي مشروعية القتال بمكة ليس بصحيح لأنه مسكوت عنه فتأمل.