تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٨٧
وكالصلة والبر بالنسبة إلى الوالدين، وعن سفيان بن عيينة من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى ومن دعا لوالديه في ادبارها فقد شكرهما ولعل هذا بيان لبعض أفراد الشكر * (إلي المصير) * تعليل لوجوب الامتثال بالأمر أي إلى الرجوع لا إلى غيري فأجازيك على ما صدر عنك مما يخالف أمري.
* (وإن ج‍اهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وص‍احبهما فى الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلى ثم إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) *.
* (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به) * أي باستحقاقه الإشراك أو بشركته له تعالى في استحقاق العبادة، والجار متعلق بقوله تعالى: * (علم) * وما مفعلو * (تشرك) * كما اختاره ابن الحاجب ثم قال: ولو جعل * (تشرك) * بمعنى تكفر وجعلت * (ما) * نكرة أو بمعنى الذي بمعنى كفرا أو الكفر وتكون نصبا على المصدرية لكان وجها حسنا، والكلام عليه أيضا بتقدير مضاف أي وإن جاهدك الوالدان على أن تكفر بي كفرا ليس لك أو الكفر الذي ليس لك بصحته أو بحقيته علم * (فلا تطعهما) * في ذلك والمراد استمرار نفي العلم لا نفي استمراره فلا يكون الإشراك إلا تقليدا. وفي " الكشاف " أراد سبحانه بنفي العلم نفي ما يشرك أي لا تشرك بي ما ليس بشيء يريد عز وجل الأصنام كقوله سبحانه: * (ما تدعون من دونه من شيء) *: وجعله الطيبي على ذلك من باب نفي الشيء بنفي لازمه وذلك أن العلم تابع للمعلوم فإذا كان الشيء معدوما لم يتعلق به موجودا، ونقل عن ابن المنير أنه عليه من باب: على لا حب لا يهتدي بمناره أي ما ليس بإله فيكون لك علم بإلهيته وفي " الكشف " أن الزمخشري أراد أنه بولغ في نفي الشريك حتى جعل كلا شيء ثم بولغ حتى ما لا يصح أن يتعلق به علم والمعدوم يصح أن يعلم ويصح أن يقال إنه شيء فأدخل في سلك المجهول مطلقا وليس من قبيل نفي العلم لنفي وجوده وهذا تقرير حسن وفيه مبالغة عظيمة منه يظهر ترجيح هذا المسلك في هذا المقام على أسلوب. ولا ترى الضب بها ينجحر اه‍ فافهم ولا تغفل * (وصاحبهما في الدنيا معروفا) * أي صحابا معروفا يرتضيه الشرع ويقتضيه الكرم والمروءة كإطعامهما واكسائهما وعدم جفائهما وانتهارهما وعيادتهما إذا مرضا ومواراتهما إذا ماتا، وذكر * (في الدنيا) * لتهوين أمر الصحبة والإشارة إلى أنها في أيام قلائل وشيكة الانقضاء فلا يضر تحمل مشقتها لقلة أيامها وسرعة انصرامها؛ وقيل: للإشارة إلى أن الرفق بهما في الأمور الدنيوية دون الدينية.
وقيل: ذكره لمقابلته بقوله تعالى: * (ثم إلى مرجعكم) * (لقمان: 15) * (واتبع سبيل من أناب) * أي رجع * (إلي) * بالتوحيد والإخلاص بالطاعة، وحاصله اتبع سبيل المخلصين لا سبيلهما * (ثم إلي مرجعكم) * أي رجوعك ورجوعهما وزاد بعضهم من أناب وهو خلاف الظاهر، وأيا ما كان ففيه تغليب للخطاب على الغيبة * (فأنبئكم) * عند رجوعكم * (بما كنتم تعملون) * بأن أجازي كلا منكم بما صدر عنه من الخير والشر، والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص.
أخرج أبو يعلى. والطبراني. وابن مردويه. وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي أن سعد بن أبي وقاص قال: أنزلت في هذه الآية * (وإن جاهداك) * الآية كنت رجلا برا بأمي فلما أسلمت قالت: يا سعد وما هذا الذي أراك قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال يا قاتل أمه قلت: لا تفعلي يا أمه فإني لا أدع ديني هذا لشيء فمكثت يوما وليلة لا تأكل فأصبحت قد جهدت فمكثت يوما وليلة لا تأكل فأصبحت قد اشتهد جهدها فلما رأيت ذلك قلت: يا أمه تعلمين والله ولو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»