تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٩٥
إن كان التقليد أخذا لقول الغير بغير حجة مع احتمال شك ووهم بأن لا يجزم المقلد فلا يكفي إيمانه قطعا لأنه لا إيمان مع أدنى تردد فيه وإن كان لكن جزما فيكفي عند الأشعري وغيره خلافا لأبي هاشم في قوله لا يكفي بل لا بد لصحة الإيمان من النظر، وذكر الخفاجي أنه لا خلاف في امتناع تقليد من لم يعلم أنه مستند إلى دليل حق، وظاهر ذم المجادلين بغير علم ولا هدى ولا كتاب أنه يكفي النظر الدليل النقلي الحق كما يكفي فيه الدليل العقلي.
* (أولو كان الشيط‍ان يدعوهم) * أي يدعو آباءهم لا أنفسهم كما قيل: فإن مدار إنكار الاستتباع كون المتبوعين تابعين للشياطين وينادي عليه قوله تعالى: * (أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) * بعد قوله سبحانه: * (بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا) * ويعلم منه حال رجوع الضمير إلى المجموع أي أولئك المجادلين وآباءهم * (إلى عذاب السعير) * أي إلى ما يؤول إليه أو يتسبب منه من الإشراك وإنكار شمول قدرته عز وجل للبعث ونحو ذلك من الضلالات، وجوز بقاء * (عذاب السعير ) * على حقيقته والاستفهام للإنكار ويفهم التعجيب من السايق أو للتعجيب ويفهم الإنكار من السياق والواو حالية والمعنى أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم أي في حال دعاء الشيطان إياهم إلى العذاب، وجوز كون الواو عاطفة على مقدر أي أيتبعونهم لو لم يكن الشيطان يدعوهم إلى العذاب ولو كان يدعوهم إليه، وهما قولان مشهوران في الواو الداخلة على * (لو) * الوصلية ونحوها، وكذا في احتياجها إلى الجواب قولان قول بالاحتياج وقول بعدمه لانسلاخها عن معنى الشرط، ومن ذهب إلى الأول قدره هنا لا يتبعوهم وهو مما لا غبار عليه على تقدير كون الواو عاطفة، وأما على تقدير كونها حالية فزعم بعضهم أنه لا يتسنى وفيه نظر، وقد مر الكلام على نحو هذه الآية الكريمة فتذكر.
* (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله ع‍اقبة الامور) *.
* (ومن يسلم وجهه إلى الله) * بأن فرض إليه تعالى جميع أموره وأقبل عليه سبحانه بقلبه وقالبه، فالإسلام كالتسليم التفويض، والوجه الذات، والكلام كناية عما أشرنا إليه من تسليم الأمور جميعها إليه تعالى والإقبال التام عليه عز وجل وقد يعدى الإسلام باللام قصدا لمعنى الإخلاص.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. والسلمي. وعبد الله بن مسلم بن يسار * (يسلم) * بتشديد اللام من التسليم وهو أشهر في معنى التفويض من الإسلام * (وهو محسن) * أي في أعماله والجملة في موضع الحال.
* (فقد استمسك بالعروة الوثقى) * تعلق أتم تعلق بأوثق ما يتعلق به من الأسباب وهذا تشبيه تمثيلي مركب حيث شبه حال المتوكل على الله عز وجل المفوض إليه أموره كلها المحسن في أعماله بمن ترقى في جبل شاهق أو تدلى منه فتمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمور انقطاعه، وجوز أن يكون هناك استعارة في المفرد وهو العروة الوثقى بأن يشبه التوكل النافع المحمود عاقبته بها فتستعار له * (وإلى الله ع‍اقبة الأمور) * أي هي صائرة إليه عز وجل لا إلى غيره جل جلاله فلا يكون لأحد سواه جل وعلا تصرف فيها بأمر ونهي وثواب وعقاب فيجازي سبحانه هذا المتوكل أحسن الجزاء، وقيل: فيجازي كلا من هذا المتوكل وذاك المجادل بما يليق به بمقتضى الحكمة، وأل في الأمور للاستغراق، وقيل: تحتمل العهد على أن المراد الأمور المذكورة من المجادلة وما بعدها، وتقديم * (إلى الله) * للحصر ردا على الكفرة في زعمهم مرجعية آلهتهم لبعض الأمور.
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»