تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٨٢
تقدير كون الأرض كروية كما ذهب إليه الغزالي وكذا ذهب إلى كروية السماء، وجاء في رواية عن ابن عباس ما يقتضيه وإليه ذهب أكثر الفلاسفة مستدلين عليه بما في التذكرة وشروحها وغير ذلك وهو الذي يشهد له الحس والحدس، وعلى تقدير كونها غير كروية كما ذهب إليه من ذهب واختلفوا في شكلها عليه وتفصيل ذلك يطلب من محله، ولا دلالة في الآية على انحصار حكمة إلقاء الرواسي فيها بسلامتها عن الميد فإن لذلك حكما لا تحصى.
وكذا لا دلالة فيها على عدم حركتها على الاستدارة دائما كما ذهب إليه أصحاب فيثاغورس، ووراءه مذاهب أظهر بطلانا منه. نعم الأدلة النقلية والعقلية على ذلك كثيرة * (وبث فيها) * أي أوجد وأظهر، وأصل البث الإثارة والتفريق ومنه * (فكانت هباء منبثا وكالفراش المبثوث) * وفي تأخيره إشارة إلى توقفه على إزالة الميد * (من كل دابة) * من كل نوع من أنواعها * (وأنزلنا من السماء ماء) * هو المطر والمراد بالسماء جهة العلو، وجوز تفسيرها بالمظلة وكون الإنزال منها بضرب من التأويل، وترك التأويل لا ينبغي أن يعول عليه إلا إذا وجد من الأدلة ما يضطرنا إليه لأن ذلك خلاف المشاهد * (فأنبتنا فيها) * أي بسبب ذلك الماء * (من كل زوج) * أي صنف * (كريم) * أي شريف كثير المنفعة، والالتفات إلى ضمير العظمة في الفعلين لإبراز مزيد الاعتناء بهما لتكررهما مع ما فيهما من استقامة حال الحيوان وعمارة الأرض ما لا يخفى.
* (ه‍اذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه بل الظ‍المون فى ضل‍ال مبين) *.
* (ه‍اذا) * أي ما ذكر من السماوات والأرض وسائر الأمور المعدودة * (خلق الله) * أي مخلوقه * (فأروني) * أي اعلموني وأخبروني، والفاء واقعة في جواب شرط مقدر أي إذا علمتم ذلك فأورني * (ماذا خلق الذين من دونه) * مما اتخذتموهم شركاء له سبحانه في العبادة حتى استحقوا به العبودية، و * (ماذا) * يجوز أن يكون اسما واحدا استفهاما ويكون مفعولا لخلق مقدما لصدراته وأن يكون * (ما) * وحدها اسم استفهام مبتدأ و * (ذا) * اسم موصول خبرها وتكون الجملة معلقا عنها سادة مسد المفعول الثاني لأروني، وأن يكون * (ماذا) * كله اسما موصولا فقد استعمل كذلك على قلة على ما قال أبو حيان ويكون مفعولا ثانيا له والعائد محذوف في الوجهين وقوله تعالى:
* (بل الظ‍المون في ضلال مبين) * اضراب عن تبكيتهم بما ذكر إلى التسجيل عليهم بالضلال البين المستدعي للإعراض عن مخاطبتهم بالمقدمات المعقولة الحقة لاستحالة أن يفهموا منها شيئا فيهتدوا به إلى العلم ببطلان ما هم عليه أو يتأثروا من الإلزام والتبكيت فينزجروا عنه، ووضع الظاهر موضع ضميرهم للدلالة على أنهم بإشراكهم واضعون للشيء في غير موضعه ومعتدون عن الحد وظالمون لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد.
* (ولقد ءاتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غنى حميد) *.
* (ولقد اتينا لقمان الحكمة) * كلام مستأنف مسوق لبيان بطلان الشرك بالنقل بعد الإشارة إلى بطلانه بالعقل.
ولقمان اسم أعجمي لا عربي مشتق من اللقم وهو على ما قيل: ابن باعوراء قال وهب: وكان ابن أخت أيوب عليه الصلاة والسلام، وقال مقاتل: كان ابن خالته، وقال عبد الرحمن السهيلي: هو ابن عنقا بن سرون، وقيل: كان من أولاد آزر وعاش ألف سنة وأدرك داود عليه السلام وأخذ منه العلم وكان يفتي قبل مبعثه فلما بعث قطع الفتوى فقيل له فقال: ألا أكتفي إذا كفيت، وقيل: كان قاضيا في بني إسرائيل، ونقل ذلك عن الواقدي إلا أنه قال: وكان زمانه بين محمد. وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وقال عكرمة. والشعبي
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»