أن يقال بالجواز والإباحة فعلا واستماعا، وسد الأذنين عليه لغاية التنزع اللائق به عليه الصلاة والسلام، وقول الأذرعي في الجواب أن قوله في الخبر زمارة راع لا يعين إنها الشبابة فإن الرعاة يضربون بالشعيبية وغيرها يوهم أن ما يسمى شعيبية مباح مفروغ منه وفيه نظر فإنها عبارة عن عدة قصبات صغار ولها اطراب بحسب حذق متعاطيها فهي شبابة أو مزمار لا محالة، وفي إباحة ذلك كلام، وبعد هذا كله نقول: إن الخبر المذكور رواه أبو داود وقال: إنه منكر وعليه لا حجة فيه للطرفين وكفى الله تعالى المؤمنين القتال، ثم إنك إذا ابتليت بشيء من ذلك فإياك ثم إياك أن تعتقد أن فعله أو استماعه قربة كما يعتقد ذلك من لا خلاق له من المتصوفة فلو كان الأمر كما زعموا لما أهمل الأنبياء أن يفعلوه ويأمروا اتباعهم به، ولم ينقل ذلك عن أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا أشار إليه كتاب من الكتب المنزلة من السماء، وقد قال الله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * (المائدة: 3) ولو كان استعمال الملاهي المطربات أو استماعها من الدين ومما يقرب إلى حضرة رب العالمين لنبيه صلى الله عليه وسلم وأوضحه كمال الإيضاح لأمته، وقد قال عليه الصلاة والسلام " والذي نفسي بيده ما تركت شيئا يقربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلا أمرتكم به وما تركت شيئا يقربكم من النار ويباعدكم عن الجنة إلا نهيتكم عنه " وما ذكر داخل في الشق الثاني كما لا يخفى على من له قلب سليم وعقل مستقيم فتأمل وأنصف وإياك من الاعتراض قبل أن تراجه تعرف، ولنا عودة إن شاء الله تعالى للكلام في هذا المطلب يشر الله تعالى ذلك لنا بحرمة حبيبه الأعظم صلى الله عليه وسلم.
واستدل بعضهم بالآية على القول بأن لهو الحديث الكتب التي اشتراها النضر بن الحرث على حرمة مطالعة كتب تواريخ الفرس القديمة وسماع ما فيها وقراءته، وفيه بحث، ولا يخفى أن فيها من الكذب ما فيها فالاشتغال بها لغير غرض ديني خوض في الباطل، وعده ابن نجيم في رسالته في بيان المعاصي من الصغائر ومثل له بذكر تنعم الملوك والأغنياء فافهم هذا، ومن الغريب البعيد وفيه جعل الاشتراء بمعنى البيع ما ذهب إليه صاحب التحرير قال: يظهر لي أنه أراد سبحانه بلهو الحديث ما كانوا يظهرونه من الأحاديث في تقوية دينهم والأمر بالدوام عليه وتغيير صفة الرسول عليه الصلاة والسلام وأن التوراة تدل على أنه من ولد اسحق عليه السلام يقصدون صد أتباعهم عن الإيمان وأطلق اسم الاشتراء لكونهم يأخذون على ذلك الرشاو الجعائل من ملوكهم، وقال: يؤيده قوله تعالى: * (ليضل عن سبيل الله) * وهو كما ترى، والمراد بسبيله تعالى دينه عز وجل أو قراءة كتابه سبحانه أو ما يعمهما، واللام في * (ليضل) * للتعليل. وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو * (ليضل) * بفتح الياء، والمراد ليثبت على ضلاله ويزيد فيه فإن المخبر عنه ضال قبل: واللام للعاقبة وكونها على أصلها كما قيل بعيد، وجوز الزمخشري أن يكون قد وضع * (ليضل) * على هذه القراءة موضع ليضل من قبل أن من أضل كان ضالا لا محالة فدل بالرديف وهو الضلال على المردوف وهو الاضلال، ووجه الدلالة أنه أريد بالضلال الضلال المضاعف في شأن من جانب سبيل الله تعالى وتركه رأسا وهذا الضلال لا ينفك عن الإضلال وبالعكس، وبه يندفع نظر صاحب الفرائد بأن الضلال لا يلزمه الاضلال، وفيه توافق القراءتين وبقاء اللام على حقيقتها، وهي على الوجهين متعلقة بقوله سبحانه: ديشتري) * وقوله عز وجل: * (بغير علم) * يجوز أن يكون متعلقا به أيضا أي يشتري ذلك بغير علم بحال ما يشتريه أو بالتجارة حيث استبدل الضلال بالهدى والباطل بالحق، ويجوز أن يكون متعلقا بيضل أي ليضل عن سبيله تعالى جاهلا أنها سبيله عز وجل أو جاهلا أنه يضل أو جاهلا الحق * (ويتخذها) *