تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٨٨
ما تركت ديني هذا لشيء فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي فلما رأت ذلك أكلت فنزلت هذه الآية، وذكر بعضهم أن هذه وما قبلها أعني قوله تعالى: * (ووصينا الإنسان) * (لقمان: 14) الآية نزلتا فيه قيل ولكون النزول فيه قيل: من أناب بتوحيد الضمير حيث أريد بذلك أبو بكر رضي الله تعالى عنه فإن إسلام سعد كان بسبب إسلامه.
أخرج الواحدي عن عطاء عن ابن عباس قال إنه يريد بمن أناب أبو بكر وذلك أنه حين أسلم رآه عبد الرحمن بن عوف. وسعيد بن زيد وعثمان وطلحة والزبير فقالوا لأبي بكر آمنت وصدقت محمدا صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: نعم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنوا وصدقوا فأنزل الله تعالى يقول لسعد: * (واتبع سبيل من أناب إلى) * (لقمان: 15) يعني أبا بكر رضي الله تعالى عنه، وابن جريج يقول كما أخرج عنه ابن المنذر من أناب محمد عليه الصلاة والسلام، وغير واحد يقول هو صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، والظاهر هو العموم.
* (يا بني) * الخ رجوع إلى القصة بذكر بقية ما أريد حكايته من وصايا لقمان أثر تقرير ما في مطلعه من النهي عن الشرك وتأكيده بالاعتراض * (أنها) * أي الخصلة من الإساءة والإحسان لفهمها من السياق. وقيل: وهو كما ترى أنها أي التي سألت عنها، فقد روى أن لقمان سأله ابنه أرأيت الحبة تقع في مغاص البحر أيعلمها الله تعالى فقال يا بني إنها أي التي سألت عنها * (إن تك مثقال حبة من خردل) * أي إن تكن مثلا في الصغر كحبة الخردل والمقال ما يقدر به غيره لتساوي ثقلهما وهو في العرف معلوم.
وقرأ نافع. والأعرج. وأبو جعفر * (مثقال) * بالرفع على أن الضمير للقصة و * (تك) * مضارع كان التامة والتأنيث لإضافة الفاعل إلى المؤنث كما في قول الأعشى: وتشرق بالقول الذي قد أذعته * كما شرقت صدر القناة من الدم أو لتأويله بالزنة أو الحسنة والسيئة * (فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض) * أي فتكن مع كونها في أقصى غايات الصغر والقماءة في أخفى مكان وأحرزه كجوف الصخرة أو حيث كانت في العالم العلوي أو السفلي، وقيل: في أخفى مكان وأحرزه كجوف الصخرة أو أعلاه كمحدب السماوات أو أسفله كمقعر الأرض، ولا يخفى أنه لا دلالة في النظم على تخصيص المحدب والمقعر ولعل المقام يقتضيه إذ المقصود المبالغة.
وفي قوله تعالى: * (في السموات) * لا يأبى ذلك لأنها ذكرت بحسب المكانية أو للمشاكلة أو هي بمعنى علي، وعبر بها للدلالة على التمكن ومع هذا الظاهر ما تقدم، وفي " البحر " أنه بدأ بما يتعقله السامع أولا وهو كينونة الشيء في صخرة وهو ما صلب من الحجر وعسر الإخراج منه ثم أتبعه بالعالم العلوي وهو أغرب للسامع ثم أتبعه بما يكون مقر الأشياء للشاهد وهو الأرض، وقيل: إن خفاء الشيء وصعوبة نيله بطرق بغاية صغره ويبعده عن الرائي وبكونه في ظلمة وباحتجابه فمثقال حبة من خردل إشارة إلى غاية الصغر، و * (في صخرة) * إشارة إلى الحجاب و * (في السموات) * إشارة إلى البعد و * (في الأرض) * إشارة إلى الظلمة فإن جوف الأرض أشد الأماكن ظلمة وأيا ما كان فليس المراد بصخرة صخرة معينة، وعن ابن عباس. والسدي أن هذه الصخرة هي التي عليها الأرض، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن الأرض على نون والنون على بحر والبحر على صخرة خضراء خضرة الماء منها والصخرة على قرن ثور وذلك الثور على الثرى ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله تعالى.
وفسر بعضهم الصخرة بهذه الصخرة، وقيل: هي صخرة في الريح، قال ابن عطية: وكل ذلك ضعيف
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»