تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٧٢
الدليل على خلافه، ويجوز أن يكون اعتراضا بين الشرط والجزاء جىء به للتأكيد كما في قولك: من أحسن إلى زيد لا أحق منه بالإحسان فالله تعالى مثيبه.
ومن الناس من زعم أنه جواب الشرط دون قوله تعالى: * (فإنما حسابه عند ربه) * وجعله تفريعا على الجملة وليس بصحيح لأنه يلزم عليه حذف الفاء في جواب الشرط ولا يجوز ذلك كما قال أبو حيان إلا في الشعر.
والحساب كناية عن المجازاة كأنه قيل: من يعبد إلها مع الله تعالى فالله سبحانه مجاز له على قدر ما يستحقه * (إنه لا يفلح الكافرون) * أي إن الشأن لا يفلح الخ.
وقرأ الحسن. وقتادة * (أنه) * بالفتح على التعليل أو جعل الحاصل من السبك خبر * (حسابه) * أي حسابه عدم الفلاح، وهذا على ما قال الخفاجي من باب: تحية بينهم ضرب وجيع وبهذا مع عدم الاحتياج إلى التقدير رجح هذا الوجه على سابقه وتوافق القراءتين عليه في حاصل المعنى، ورجح الأول بأن التوافق عليه أتم، وأصل الكلام على الأخبار فإنما حسابه عند ربه أنه لا يفلح هو فوضع * (الكافرون) * موضع الضمير لأن * (من يدع) * في معنى الجمع وكذلك حسابه أنه لا يفلح في معنى حسابهم أنهم لا يفلحون.
وقرأ الحسن * (يفلح) * بفتح الياء واللام، وما ألطف افتتاح هذه السورة بتقدير فلاح المؤمنين وإيراد عدم فلاح الكافرين في اختتامها، ولا يخفى ما في هذه الجمل من تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه سبحانه بعد ما سلاه بذكر مآل من لا ينجع دعاؤه فيه أمره بما يرمز إلى متاركة مخالفيه فقال جل وعلا.
* (وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين) *.
* (وقل رب) * وقرأ ابن محيصن * (رب) * بالضم * (اغفر وارحم وأنت خير الراحمين) * والظاهر أن طلب كل من المغفرة والرحمة على وجه العموم له عليه الصلاة والسلام ولمتبعيه وهو أيضا أعم من طلب أصل الفعل والمداومة عليه فلا إشكال، وقد يقال في دفعه غير ذلك، وفي تخصيص هذا الدعاء بالذكر ما يدل على أهمية ما فيه، وقد علم صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أن يقول نحوه في صلاته.
فقد أخرج البخاري. ومسلم. والترمذي. والنسائي. وابن ماجه. وابن حبان. وجماعة عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال: قل اللهم أني ظلمت نفسي ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
ولقراءة هذه الآيات أعني قوله تعالى: * (أفحسبتم) * إلى آخر السورة على المصاب نفع عظيم وكذا المداومة على قراءة بعضها في السفر.
أخرج الحكيم الترمذي. وابن المنذر. وأبو نعيم في الحلية وآخرون عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قرأ في أذن مصاب * (أفحسبتم) * حتى ختم السورة فبرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. " والذي نفسي بيده لو أن رجلا موقنا قرأ بها على جبل لزال ".
وأخرج ابن السني. وابن منده. وأبو نعيم في المعرفة بسند حسن من طريق محمد بن إبراهيم بن الحرث التميمي عن أبيه قال: " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وأمرنا أن نقول إذا أمسينا وأصبحنا * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) * (المؤمنون: 115) فقرأناها فغنمنا وسلمنا " هذا والله تعالى المسؤول لكل خير.
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»