تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٢٥٥
يعدوا بعضا منهم وبالبعض الثاني رسلهم على معنى جعلنا كل بعض معين من الأمم فتنة لبعض معين من الرسل كأنه قيل وجعلنا كل أمة مخصوصة من الأمم الكافرة فتنة لرسولها المعين. وإنما لم يصرح بذلك تعويلا على شهادة الحال، وحاصله جرت سنتنا بموجب حكمتنا على ابتلاء المرسلين بأممهم وبمناصبتهم لهم العداوة وإطلاق ألسنتهم فيهم بالأقاويل الخارجة عن حد الإنصاف وسلوكهم في أذاهم كل مسلك لنعلم صبرهم أو هو خطاب للناس كافة على ما قيل وهو الظاهر، والبعض الأول أعم من الكفار والأغنياء والأصحاء وغيرهم ممن يصلح أن يكون فتنة والبعض الثاني أعم من الرسل والقراء والمرضى وغيرهم ممن يصلح أن يفتن. والكلام عليه مفيد لتصبره صلى الله عليه وسلم على ما قالوه وزيادة، وقيل: المراد بالبعض الأول من لا مال له من المرسلين وبالبعض الثاني أممهم ويدخل في ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته دخولا أوليا فكأنه قيل جعلناك فتنة لأمتك لأنك لو كنت صاحب كنوز وجنات لكان ميلهم إليك وطاعتهم لك للدنيا أو ممزوجة بالدنيا وإنما بعثناك لا مال لك ليكون طاعة من يطيعك منهم خالصة لوجه الله تعالى من غير طمع دنيوي وكذا حال سائر من لا مال له من المرسلين مع أممهم والأظهر عموم الخطاب والبعضين وهو الذي تقتضيه الآثار وإليه ذهب ابن عطية فقال: ذلك عام للمؤمن والكافر فالصحيح فتنة للمريض والغنى فتنة للفقير والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس الكفار في عصره وكذلك العلماء وحكام العدل، وقد تلا ابن القاسم هذه الآية حين رأى أشهب انتهى. واختار ذلك أبو حيان. ولا يضر فيه خصوص سبب النزول. فقد روي عن الكلبي أنها نزلت في أبي جهل. والوليد بن المغيرة. والعاصي بن وائل. ومن في طبقتهم قالوا: إن أسلمنا وقد أسلم قبلنا عمار. وصهيب. وبلال. وفلان. وفلان ترفعوا علينا إدلالا بالسابقة. والاستفهام إما في حيز التعليل للجعل ومعادله محذوف كما حذف فيما لا يحصى من الأمثلة والتقدير لنعلم أتصبرون أم لا أي ليظهر ما في علمنا. وقرينة تقدير العلم تضمن الفتنة إياه. وإما أن لا يكون في حيز التعليل وليس هناك معادل محذوف بأن يكون للترغيب والتحريض والمراد اصبروا فإني ابتليت بعضكم ببعض. ويجوز أن لا يقدر معادل على تقدير اعتبار التعليل أيضا بأن يكون الخطاب للرسل عليهم السلام على ما سمعت. وجعل ابن عطية الخطاب فيما سبق عاما وفي * (أتصبرون) * خاصا بالمؤمنين الذين جعل إمهال الكفار فتنة لهم في ضمن العموم السابق وقدر معادلا فقال: كأنه جعل إمهال الكفار فتنة للمؤمنين ثم وقفهم أتصبرون أم لا. وجعل قوله تعالى: * (وكان ربك بصيرا) * وعدا للصابرين ووعيدا للعاصين. وجعله بعضهم وعدا للرسول صلى الله عليه وسلم بالأجر الجزيل لصبره الجميل مع مزيد تشريف له عليه الصلاة والسلام بالالتفات إلى اسم الرب مضافا إلى ضميره صلى الله عليه وسلم. وجوز أن يكون وعيدا لأولئك المعاندين له عليه الصلاة والسلام جىء به إتماما للتسلية أو التصبر وليس بذاك. واستدل بالآية على القضاء والقدر فإنها أفادت أن أفعال العباد كعداوة الكفار وإيذائهم بجعل الله تعالى وإرادته والفتنة بمعنى الابتلاء وإن لم تكن من أفعال العباد إلا أنها مفضية ومستلزمة لما هو منها. وفيه من الخفاء ما فيه. [بم وقوله تعالى:
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255