تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٧٣
ومن باب الإشارة في الآيات: قيل * (قد أفلح المؤمنون) * [المؤمنون: 1 أي وصلوا إلى المحل الأعلى والقربة والسعادة * (الذين هم في صلاتهم خاشعون) * ظاهرا وباطنا، والخشوع في الظاهر انتكاس الرأس والنظر إلى موضع السجود وإلى ما بين يديه وترك الالتفات والطمأنينة في الأركان ونحو ذلك، والخشوع في الباطن سيكون النفس عن الخواطر والهواجس الدنيوية بالكلية أو ترك الاسترسال معها وحضور القلب لمعاني القراءة والأذكار ومراقبة السر بترك الالتفات إلى المكونات واستغراق الروح في بحر المحبة، والخشوع شرط لصحة الصلاة عند بعض الخواص نقل الغزالي عن أبي طالب المكي عن بشر الحافي من لم يخشع فسدت صلاته وهو قول لبعض الفقاء وتفضيله في كتبهم، ولا خلاف في أنه لا ثواب في قول أو فعل من أقوال أو أفعال الصلاة أدى مع الغفلة؛ وماأقبح مصل يقول * (الحمد لله رب العالمين) * (الفاتحة: 2) وهوغافل عن الرب جل شأنه متوجه بشراشره إلى الدرهم والدينار ثم يقول: * (إياك نعبد وإياك نستعين) * (الفاتحة: 5) وليس في قلبه وفكره غيرهما، ونحو هذا كثير، ومن هنا قال الحسن: كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع.
وقد ذكروا أن الصلاة معراج المؤمن أفترى مثل صلاة هذا تصلح لذلك حاش لله تعالى من زعم ذلك فقد افترى * (والذين هم عن اللغو معرضون) * (المؤمنون: 3) قال بعضهم: اللغو كل ما يشغل عن الحق عز وجل.
وقال أبو عثمان: كل شيء فيه للنفس حظ فهو لغو، وقال أبو بكر بن طاهر: كل ما سوى الله تعالى فهو لغو * (والذين هم للزكاة فاعلون) * هي تزكية النفس عن الأخلاق الذميمة * (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) * (المؤمنون: 5، 6) إشارة إلى استيلائهم على القوة الشهوية فلا يتجاوزون فيها ما حد لهم، وقيل: الإشارة فيه إلى حفظ الأسرار أي والذي هم ساترون لما يقبح كشفه من الأسرار عن الأغيار إلا على أقرانهم ومن ازدوج معهم أو على مريديهم الذين هم كالعبيد لهم * (والذين هم لأماناتهم) *.
قال محمد بن الفضل: سائر جوارحهم * (وعهدهم) * الميثاق الأزلي * (راعون) * (المؤمنون: 8) فهم حسنو الأفعال والأقوال والاعتقادات * (والذين هم على صلاتهم يحافظون) * فيؤدونها بشرائطها ولا يفعلون فيها وبعدها ما يضيعها كارياء والعجب * (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) * (المؤمنون: 12) قيل المخلوق من ذلك هو الهيكل المحسوس وأما الروح فهي مخلوقة من نور إلهي يعز على العقول إدراك حقيقته، وفي قوله سبحانه: * (ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) * (المؤمنون: 14) إشارة إلى نفخ تلك الروح المخلوقة من ذلك النور وهي الحقيقة الآدمية المرادة في قوله صلى الله عليه وسلم * (خلق الله تعالى آدم على صورته) * أي على صفته سبحانه من كونه حيا عالما مريدا قادرا إلى غير ذلك من الصفات * (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين) * (المؤمنون: 17) إشارة إلى مراتب النفس التي بعضها فوق بعض وكل مرتبة سفلى منها تحجب العليا أو إشارة إلى حجب الحواس الخمس الظاهرة وحاستي الوهم والخيال، وقيل غير ذلك * (وأنزلنا من السماء) * قيل أي سماء العناية * (ماء) * أي ماء الرحمة * (بقدر) * أي بمذار استعداد السالك * (فاسكناه في الأرض) * (المؤمنون: 18) أي أرض وجوده * (فأنشأنا لكم به جنات من نخيل) * أي نخيل المعارف * (وأعناف) * أي أعناب الكشوف، وقيل النخيل إشارة إلى علوم الشريعة والأعناب إشارة إلى علوم الطريقة * (لكم فيها فواكه كثيرة) * هي ما كان منها زائدا على الواجب * (ومنها تأكلون) * (المؤمنون: 19) إشارة إلى ما كان واجبا لا يتم قوام الشريعة والطريقة بدونه * (وشجرة تخرج من طور سيناء) * إشارة إلى النور الذي يشرق من طور القلب بواسطة ما حصل له من
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»