تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٦٧
بذلك لأنها أشرف الأعضاء فبيان حالها أزجر عن المعاصي المؤدية إلى النار وهو السر في تقديمها على الفاعل.
* (وهم فيها كالحون) * متقلصو الشفاه عن الأسنان من أثر ذلك اللفح، وقد صح من رواية الترمذي. وجماعة عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الآية * (تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته) * وأخرج ابن مردويه. والضياء في صفة النار عن أبي الدرداء قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: * (تلفح) * الخ: تلفحهم لفحة فتسيل لحومهم على أعقابهم، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الكلوح بسور الوجه وتقطيبه. وقرأ أبو حيوة. وأبو بحرية. وابن أبي عبلة * (كلحون) * بغير ألف جمع كلح كحذر.
* (ألم تكن ءاي‍اتى تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون) *.
* (ألم تكن ءاياتي تتلى عليكم) * على إضمار القول أي يقال لهم تعنيفا وتوبيخا وتذكيرا لما به استحقوا ما ابتلوا به من العذاب ألم تكن آياتي تتلى عليكم في الدنيا * (فكنتم بها تكذبون) * حينئذ.
* (قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضآلين) *.
* (قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا) * أي استولت علينا وملكتنا شقاوتنا التي اقتضاها سوء استعدادنا كما يومىء إلى ذلك إضافتها إلى أنفسهم. وقرأ شبل في اختياره * (شقوتنا) * بفتح الشين. وقرأ عبد الله. والحسن. وقتادة. وحمزة. والكسائي. والمفضل عن عاصم. وأبان. والزعفراني وابن مقسم * (شقاوتنا) * بفتح الشين وألف بعد القاف. وقرأ قتادة أيضا. والحسن في رواية خالد بن حوشب عنه * (شقاوتنا) * بالألف وكسر الشين وهي في جميع ذلك مصدر ومعناها ضد السعادة، وفسرها جماعة بسوء العاقبة التي علم الله تعالى أنهم يستحقونها بسوء أعمالهم ونسب ذلك لجمهور المعتزلة، وعن الأشاعرة أن المراد بها ما كتبه الله تعالى عليهم في الأزل من الكفر والمعاصي، وقال الجبائي: المراد بها الهوى وقضاء اللذات مجازا من باب إطلاق المسبب على السبب، وأيا ما كان فنسبة الغلب إليها لاعتبار تشبيهها بمن يتحقق منه ذلك ففي الكلام استعارة مكنية تخييلية؛ ولعل الأولى أن يخرج الكلام مخرج التمثيل ومرادهم بذلك على جميع الأقوال في الشقوة الاعتراف بقيام حجة الله تعالى عليهم لأن منشأها على جميع الأقوال عند التحقيق ما هم عليه في أنفسهم فكأنهم قالوا: ربنا غلب علينا أمر منشؤه ذواتنا * (وكنا) * بسبب ذلك * (قوما ضالين) * عن الحق مكذبين بما يتلى من الآيات فما تنسب إلى حيف في تعذيبنا، ولا يجوز أن يكون اعتذارا بما علمه الله تعالى فيهم وكتبه عليهم من الكفر أي غلب علينا ما كتبته علينا من الشقاوة وكنا في علمك قوما ضالين أو غلب علينا ما علمته وكتبته وكنا بسبب ذلك قوما ضالين فما وقع منا من التكذيب بآياتك لا قدرة لنا على رفعه وإلا لزم انقلاب العلم جهلا وهو محال لأن ذلك باطل في نفسه لا يصلح للاعتذار فإنه سبحانه ما كتب إلا ما علم وما علم إلا ما هم عليه في نفس الأمر من سوء الاستعداد المؤدي إلى سوء الاختيار فءن العلم على ما حقق في موضعه تابع للمعلوم، ويؤيد دعوى الاعتراف قوله تعالى حكاية عنهم.
* (ربنآ أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظ‍المون) *.
* (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) * أي ربنا أخرجنا من النار وارجعنا إلى الدنيا فإن عدنا بعد ذلك إلى ما كنا عليه فيها من الكفر والمعاصي فإنا متجاوزون الحد في الظلم لأن اجتراءهم على هذا الطلب أوفق بكون ما قبله اعترافا فإنه كثيرا ما يهون به المذنب غضب من أذنب إليه، والاعتذار وإن كان كذلك بل أعظم إلا أن هذا الاعتذار أشبه شيء بالاعتراض الموجب لشدة الغضب الذي لا يحسن معه الإقدام على مثل
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»