ما فيه والوجه الوجيه هو الأول، وعندي في أمثال هذه الجملة أن الإثبات فيها متوجه إلى القيد، وقد ذكر ذلك الشيخ عبد القاهر وهو هنا إنزالها وفرضها، وإنزال آيات بينات فيها لأجل أن يتذكر المخاطبون أو رجوا تذكرهم فتأمل.
وقرأ عمر بن عبد العزيز. ومجاهد. وعيسى بن عمر الثقفي البصري. وعيسى بن عمر الهمداني الكوفي. وابن أبي عبلة. وأبو حيوة. ومحبوب عن أبي عمرو. وأم الدرداء * (سورة) * بالنصب على أنها مفعول فعل محذوف أي اتل، وقدر بعضهم اتلوا بضمير الجمع ون الخطابات الآتية بعهد كذلك وليس بلازم لأن الفعل متضمن معنى القول فيكون الكلام حينئذ نظير قوله تعالى: * (قل أطيعوا الله) * (آل عمران: 32) ولا شك في جوازه.
وجوز الزمخشري أن تكون نصبا على الإغراب أي دونك سورة، ورده أبو حيان بأنه لا يجوز حذف أداة الإغراء لضعفها في العمل لما أن عملها بالحمل على الفعل، وكلام ابن مالك يقتضي جوازه وزعم إنه مذهب سيبويه وفيه بحث، وجوز غير واحد كون ذلك من باب الاشتغال وهو ظاهر على مذهب من لا يشترط في المنصوب على الاشتغال صحة الرفع على الابتداء وأما على مذهب من يشترط ذلك فغير ظاهر لأن * (سورة) * نكرة لا مسوغ لها فلا يجوز رفعها على الابتداء، ولعل من يشترط ذلك ويقول بالنصب على الاشتغال هنا يجعل النكرة موصوفة بما يدل عليه التنوين كأنه قيل: سورة عظيمة كما قيل في - شر أهر ذا ناب -.
وقال الفراء: نصب * (سورة) * على أنها حال من ضمير النصب في * (إنزلناها) * والحال من الضمير يجوز أن يتقدم عليه انتهى، ولعل الضمير على هذا للأحكام المفهومة من الكلام فكأنه قيل: أنزلنا الأحكام سورة أي في حال كونها سورة من سور القرآن وإلى هذا ذهب في البحر، وربما يقال: يجوز أن يكون الضمير للسورة الموجودة في العلم من غير ملاحظة تقييدها بوصف، و * (سورة) * المذكورة موصوفة بما يدل عليه تنوينها فكأنه قيل: أنزلنا السورة حال كونها سورة عظيمة، ولا يخفى أن كل ذلك تكلف لا داعي إليه مع وجود الوجه الذي لا غبار عليه، وقوله تعالى: * (وفرضناها) * إما على تقدير مضاف أي فرضنا أحكامها وإما على اعتبار المجاز في الإسناد حيث أسند ما للمدلول للدال لملابسة بينهما. تشبه الظرفية، ويحتمل على بعد أن يكون فيالكلام استخدام بأن يراد بسورة معناها الحقيقي وبضميرها معناها المجازي أعني الأحكام المدلول عليها بها، والفرض في الأصل قطع الشيء الصلب والتأثير فيه، والمراد به هنا الإيجاب على أتم وجه فكأنه قيل: أوجبنا ما فيها من الأحكام إيجابا قطعيا وفي ذكر ذلك براعة استهلال على ماقيل.
وقرأ عبد الله. وعمر بن عبد العزيز. ومجاهد. وقتادة. وأبو عمرو. وابن كثير * (وفرضناها) * بتشديد الراء لتأكيد الإيجاب، والإشارة إلى زيادة لزومه أو لتعدد الفرائض وكثرتها أو لكثرة المفروض عليهم من السلف والخلف. وفي " الحواشي الشهابية " قد فسر * (فرضناها) * بفصلناها ويجري فيه ما ذكر أيضا * (وأنزلنا فيها) * أي في هذه السورة * (ءايات بينات) * يحتمل أن يراد بها الآيات التي نيطت بها الأحكام المفروضة وأمر الظرفية عليه ظاهر، ومعنى كونها بينات وضوح دلالتها على أحكامها لا على معانيها مطلقا لأنها أسوة لأكثر الآيات في ذلك، وتكرير * (أنزلنا) * مع استلزام إنزال السورة إنزالها إبراز كمال العناية بشأنها، ويحتمل أن يراد بها جميع آيات السورة والظرفية حينئذ باعتبار اشتمال الكل على كل واحد من أجزائه، ومعنى كونها بيناته أنها