لا أشكال فيها يحوج إلى تأويل كبعض الآيات، وتكرير * (أنزلنا) * مع ظهور أن إنزال جميع الآيات عين إنزال السورة لاستقلالها بعنوان رائق داع إلى تخصيص إنزالها بالذكر إبانة لخطرها ورفعا لمحلها كقوله تعالى: * (ونجيناهم من عذاب غليظ) * (هود: 58) بعد قوله سبحانه: * (نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا) * والاحتمال الأول أظهر، وقال الإمام: إنه تعالى ذكر في أول السورة أنواعا من الأحكام والحدود وفي آخرها دلائل التوحيد فقوله تعالى: * (فرضناها) * إشارة إلى الأحكام المبينة أولا، وقوله سبحانه: * (وأنزلنا فيها آيات بينات) * إشارة إلى ما بين من دلائل التوحيد ويؤيده قوله عز وجل: * (لعلكم تذكرون) * فإن الأحكام لم تكن معلومة حتى يتذكرونها انتهى، وهو عندي وجه حسن، نعم قيل فيما ذكره من التأييد نظر إذ لمن ذهب إلى الاحتمال الأول أن يقول: المراد من التذكر غايته وهو اتقاء المحارم بالعمل بموجب تلك الآيات، ولقائل أن يقول: إن هذا محوج إلى ارتكاب المجاز في التذكرة دون ما ذكره الإمام فإن التذكر عليه على معناه المتبادر ويكفي هذا القدر في كونه مؤيدا، وأصل * (تذكرون) * تتذكرون حذف إحدى التاءين وقرىء بإدغام الثانية منهما في الذال.
* (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر وليشهد عذابهما طآئفة من المؤمنين) *.
* (الزانية والزاني) * شروع في تفصيل الأحكام التي أشير إليها أولا، ورفع * (الزانية) * على أنها خبر مبتدأ محذوف والكلام على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه والأصل ما يتلى عليكم أو في الفرائض أي المشار إليها في قوله تعالى: * (وفرضناها) * حكم الزانية والزاني، والفاء في قوله تعالى: * (فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) * سببية وقيل سيف خطيب، وذهب الفراء. والمبرد. والزجاج إلى أن الخبر جملة * (فاجلدوا) * الخ، والفاء في المشهور لتضمن المبتدأ معنى الشرط إذ اللام فيه وفيما عطف عليه موصولة أي التي زنت والذي زنى فاجلدوا الخ، وبعضهم يجوز دخول الفاء في الخبر إذ كان في المبتدأ معنى يستحق به أن يترتب عليه الخبر وإن لم يكن هناك موصول كما في قوله: وقائلة خولان فانكح فتاتهم فإن هذه القبيلة مشهورة بالشرف والحسن شهرة حاتم بالسخاء وعنترة بالشجاعة وذلك معنى يستحق به أن يترتب عليه الأمر بالنكاح وعلى هذا يقوى أمر دخول الفاء هنا كما لا يخفى، وقال العلامة القطب: جيء بالفاء لوقوع المبتدأ بعد أما تقديرا أي أما الزانية والزاني فاجلدوا الخ، ونقل عن الأخفش أنها سيق خطيب، والداعي لسيبويه على ما ذهب إليه ما يفهم من الكتاب كما قيل من أن النهج المألوف في كلام العرب إذا أريد بيان عنى وتفصيله اعتناء بشأنه أن يذكر قبله ماهو عنوان وترجمة له وهذا لا يكون إلا بأن يبني على جملتين فما ذهب إليه في الآية أولى لذلك مما ذهب إليه غيره، وأيضا هو سالم من وقوع الإنشاء خبرا والدغدغة التي فيه، وأمر الفاء عليه ظاهر لا يحتاج إلى تكلف، وقال أبو حيان: سبب الخلاف أن سيبويه والخليل يشترطان في دخول الفاء الخبر كون المبتدأ موصولا بما يقبل مباشرة أداة الشرط وغيرهما لا يشترط ذلك.
وقرأ عبد الله * (والزان) * بلا ياء تخفيفا. وقرأ عيسى الثقفى. ويحيى بن يعمر. وعمرو بن قائد. وأبو جعفر. وشيبة وأبو السمال. ورويس * (الزانية والزاني) * بنصبهما على إضمار فعل يفسره الظاهر، والفاء على ما قال ابن جني لأن مآل المعنى إلى الشرط والأمر في الجواب يقترن بها فيجوز زيدا فاضربه لذلك ولا يجوز زيدا فضربته بالفاء لأنها لا تدخل في جواب الشرط إذا كان ماضيا.
والمراد هنا على ما في بعض " شروح الكشاف " إن أردتم معرفة حكم الزانية والزاني فاجلدوا الخ، وقيل: إن جلدتم الزانية والزاني فاجلدوا الخ وهو لا يدل على الوجوب المراد؛ وقيل دخلت الفاء لأن حق المفسر