أي إن كان لا بد من أن تريني لأن ما والنون زيدتا للتأكيد * (ما يوعدون) * أي الذي يوعدونه من العذاب الدنيوي المستأصل وأما العذاب الأخري فلا يناسب المقام.
* (رب فلا تجعلنى فى القوم الظالمين) *.
* (رب فلا تجعلني في القوم الظالمين) * أي قرينا لهم فيما هم فيه من العذاب، ووضع الظاهر موضع الضمير للإشارة إلى استحقاقهم للعذاب، وجاء الدعاء قبل الشرط وقبل الجزاء مبالغة في الابتهال والتضرع، واختير لفظ الرب لما فيه من الإيذان بأنه سبحانه المالك الناظر في مصالح العبد، وفي أمره صلى الله عليه وسلم أن يدعو بذلك مع أنه عليه الصلاة والسلام في حرز عظيم من أن يجعل قرينا لهم إيذان بكمال فظاعة العذاب الموعود وكنه بحيث يجب أن يستعيذ منه من لا يكاد يمكن أن يحيق به. وهو متضمن رد إنكارهم العذاب واستعجالهم به على طريقة الاستهزاء.
وقيل أمر صلى الله عليه وسلم بذلك هضما لنفسه وإظهارا لكمال العبودية، وقيل لأن شؤم الكفرة قد يحيق بمن سواهم كقوله تعالى: * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين الذين ظلموا منكم خاصة) * (الأنفال: 25) وروى عن الحسن أنه جل شأنه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن له في أمته نقمة ولم يطلعه على وقتها أهو في حياته أم بعدها فأمره بهذا الدعاء.
وقرأ الضحاك. وأبو عمران الجوني * (ترئني) * بالهمز بدل الياء وهو كما في البحر إبدال ضعيف.
* (وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون) *.
* (وإنا على أن نريك ما نعدهم) * من العذاب * (لقادرون) * ولكنا لا نفعل بل نؤخره عنهم لعلمنا بأن بعضهم أو بعض أعقابهم سيؤمنون أو لأنا لا نعذبهم وأنت فيهم، وقيل قد أراه سبحانه ذلك وهو ما أصابهم يوم بدر أو فتح مكة، قال شيخ الإسلام: ولا يخفى بعده فإن المتبادر أن يكون ما يستحقونه من العذاب الموعود عذابا هائلا مستأصلا لا يظهر على يديه صلى الله عليه وسلم للحكمة الداعية إليه.
* (ادفع بالتى هى أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون) *.
* (إدفع بالتي هي أحسن) * أي ادفع بالحسنة التي هي أحسن الحسنات التي يدفع بها * (السيئة) * بأن تحسن إلى المسيء في مقابلتها ما استطعت، ودون هذا في الحسن أن يحسن إليه في الجملة، ودونه أن يصفح عن إساءته فقط، وفي ذلك من الحث له صلى الله عليه وسلم إلى ما يليق بشأنه الكريم من حسن الأخلاق ما لا يخفى، وهو أبلغ من ادفع بالحسنة السيئة لمكان * (أحسن) * والمفاضلة فيه على حقيقتها على ماذكرنا وهو وجه حسن في الآية، وجوز أن تعتبر المفاضلة بين الحسنة والسيئة على معنى أن الحسنة في باب الحسنات أزيد من السيئة في باب السيئات ويطرد هذا في كل مفاضلة بين ضدين كقولهم: العسل أحلى من الخل فإنهم يعنون أنه في الأصناف الحلوة أميز من الخل في الأصناف الحامضة، ومن هذا القبيل ما يحكى عن أشعب الماجن أنه قال: نشأت أنا والأعمش في حجر فلان فما زال يعلو وأسفل حتى استوينا فإنه عن استواءهما في بلوغ كل منهما الغاية حيث بلغ هو الغاية في التدلي والأعمش الغاية في التعلي، وعلى الوجهين لا يتعين هذا الأحسن وكذا السيئة.
وأخرج ابن أبي حاتم. وأبو نعيم في " الحلية " عن أنس أنه قال في الآية: يقول الرجل لأخيه ما ليس فيه فيقول: إن كنت كاذبا فأنا أسأل الله تعالى أن يغفر لك وإن كنت صادقا فأنا أسأل الله تعالى أن يغفر لي.
وقيل: التي هي أحسن شهادة أن لا إلهإلا الله والسيئة الشرك، وقال عطاء. والضحاك: التي هي أحسن