واعترض عليه بأن الموجودات إنما تدل على خالق قادر عالم حكيم لدلالة الأثر على المؤثر والقدرة على المقدور واتقان العمل يدل على العمل والحكمة وأما دلالتها على الوحدانية فلا وجه له ولا يثبت مثله بالشعر. ورد بأنها لو لم تدل جاء حديث التمانع كما حققه المولى الخيالي في " حواشيه " على شرح عقائد النسفي للعلامة الثاني.
وقال بعضهم: إنها تدل على عظم شأنه تعالى وأنه لا يشابهه ولا يدانيه شيء فلزم أن لا يكون له شريك ولا ولد لأنه لو كان كذلك لكان نظيرا عز وجل. ولذا عبر عن هذه الدلالة بالتسبيح والتنزيه.
ولعل ما أشرنا إليه أولى وأدق، وليس مراد من نسب الولد إليه عز وجل إلا الشرك فتأمل، والجمهور على أن الكلام لبيان بشاعة تلك الكلمة على معنى أنها لو فهمتها الجمادات لاستعظمتها وتفتت من بشاعتها. ونحو هذا مهيع للعرب، قال الشاعر:
لما أتى خبر الزبير تواضعت * سور المدين والجبال الخشع وقال الآخر: فاصبح بطن مكة مقشعرا * كان الأرض ليس بها هشام وقال الآخر: ألم تر صدعا في السماء مبينا * على ابن لبيني الحرث بن هشام إلى غير ذلك ذلك وهو نوع من المبالغة ويقبل إذا اقترن بنحو كاد كما في الآية الكريمة، وقد بين ذلك في محله.
* (أن دعوا للرحمان ولدا) * * (أن دعوا للرحمان ولدا) * بتقدير اللام التعليلية. ومحله بعد الحذف نصب عند سيبويه وجر عند الخليل والكسائي، وهو علة للعلية التي تضمنها * (منه) * لكن باعتبار ما تدل عليه الحال أعني قوله تعالى:
* (وما ينبغى للرحمان أن يتخذ ولدا) * * (وما ينبغي للرحمان إن يتخذ ولدا) * وقيل: علة لتكاد الخ، واعترض بأن كون * (يكاد) * الخ معللا بذلك قد علم من * (منه) * فيلزم التكرار. وأجيب بما لا يخلو عن نظر. وقيل: علة لهذا وهو علة للخرور، وقيل ليس هناك لام مقدرة بل أن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالإبدال من الهاء من منه كما في قوله: على حالة لو أن في القوم حاتما * على جوده لضن بالماء حاتم بجر حاتم بالإبدال من الهاء في وجوده، واستبعده أبو حيان للفصل بجملتين بين البدل والمبدل منه، وقيل: المصدر مرفوع على أنه خبر محذوف أي الموجب لذلك دعاؤهم للرحمن ولدا وفيه بحث. وقيل: هو مرفوع على أنه فاعل هدا ويعتبر مصدرا مبنيا للفاعل أي هدها دعاؤهم للرحمن ولدا. وتعقبه أبو حيان بأن فيه بعدا لأن الظاهر كون هذا المصدر تأكيديا والمصدر التأكيدي لا يعمل ولو فرض غير تاكيدي لم يعمل بقياس إلا إذا إذا كان أمرا كضربا زيدا أو بعد استفهام كاضربا زيدا وما هنا ليس أحد الأمرين وما جاء عاملا وليس أحدهما كقوله: وقوفا بها صحبي على مطيهم نادر. والتزام كون ما هنا من النادر لا يدفع البعد. ولعل ما ذكرناه أدق الأوجه وأولاها فتدبر والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل. و * (دعوا) * عند الأكثرين بمعنى سموا. والدعاء بمعنى التسمية يتعدى لمفعولين بنفسه كما في قوله: دعتني أخاها أم عمرو ولم أكن * أخاها ولم أرضع لها بلبان وقد يتعدى للثاني بالباء فيقال دعوت ولدي بزيد واقتصر هنا على الثاني وحذف الأول دلالة على العموم والإحاطة لكل ما دعى له عز وجل ولدا من عيسى. وعزير عليهما السلام. وغيرهما. وجوز أن يكون من دعا بمعنى نسب الذي مطاوعه ما في قوله صلى الله عليه وسلم: " من ادعى إلى غير مواليه " وقول الشاعر: