تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٤٦
موسى عليه السلام فاختار له هرون مستودعا لها فهورون عليه السلام مستودع سر موسى عليه السلام، * (واذكر في الكتاب اسماعيل إنه كان صادق الوعد) * (مريم: 54) بالصبر على بذل نفسه أو بما وعد به استعداده من كمال التقوى لربه جل وعلا والتحلي بما يرضيه سبحانه من الأخلاق * (واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا * ورفعناه مكانا عليا) * (مريم: 56، 57) وهو نوع من القرب من الله تعالى به عليه عليه السلام. وقيل: السماء الرابعة والتفضل عليه بذلك لما فيه من كشف بعض أسرار الملكوت أولئك الذين أنعم الله عليهم بما لا يحيط نطاق الحصر به من النعم الجليلة * (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا) * مما كشف لهم من آياته تعالى، وقد ذكر أن القرآن أعظم مجلى لله عز وجل * (وبكيا) * (مريم: 58) من مزيد فرحهم بما وجدوه أو من خوف عدم استمرار ما حصل لهم من التجلي: ونبكي إن نأوا شوقا إليهم * ونبكي إن دنوا خوف الفراق * (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) * (مريم: 62) قيل: الرزق ههنا مشاهدة الحق سبحانه ورؤيته عز وجل وهذا لعموم أهل الجنة وأما المحبوبون والمشتاقون فلا تنقطع عنهم المشاهدة لمحة ولو حجبوا لماتوا من ألم الحجاب * (رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا) * (مريم: 65) مثلا يلتفت إليه ويطلب منه شيء، وقال الحسين بن الفضل: هل يستحق أحد أن يسمى باسم من أسمائه تعالى على الحقيقة * (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) * (مريم: 71) وذلك لتظهر عظمة قهره جل جلاله وآثار سطوته لجميع خلقه عز وجل ثم ننجى الذين اتقوا جزاء تقواهم ونذر الظالمين فيها جيثا " جزاء ظلمهم، وهذه الآية كم أجرت من عيون العيون العيون.
فعن عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه أنه كان يبكي ويقول: قد علمت أني وارد النار ولا أدري كيف الصدر الصدر بعد الورود، وعن الحسن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يقول الرجل لصاحبه: هل أتاك أنك وارد؟ فيقول: نعم فيقول: هل أتاك أنك خارج؟ فيقول لا فيقول: ففيم الضحك إذن؟ * (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) * (مريم: 75) لما افتخروا بحظوظ الدنيا التي لا يفتخر بها إلا ذوو الهمم الدنية رد الله تعالى عليهم بأن ذلك استدراج ليس بإكرام والإشارة فيه أن كل ما يشغل عن الله تعالى والتوجه إليه عز وجل فهو شر لطاحبه " يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا " ركبانا على نجائب النور، وقال ابن عطاء: بلغني عن الصادق رضي الله عنه أنه قال: ركبانا على متون المعرفة * (إن كل من في السموات والأرض إلا ءاتي الرحمن عبدا) * (مريم: 93) فقيرا ذليلا منقادا مسلوب الأنانية بالكلية * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) * (مريم: 96) في القلوب المفطورة على حب الله تعالى وذلك أثر محبته سبحانه لهم، وفي الحديث " لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به " الخ، ولا يشكل على هذا أنا نرى كثيرا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ممقوتين لأن الذين يقتنونهم قد فطرت قلوبهم على الشر وإن لم يشعروا بذلك، ومن هنا يعلم أن بغض الصالحين علامة خبث الباطل * (ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا) * (الحشر: 10) وقيل: معنى * (سيجعل لهم الرحمن ودا) * (مريم: 96) سيجعل لهم لذة وحلاوة في الطاعة، والأخبار تؤيد ما تقدم والله تعالى أعلم وله الحمد على اتمام تفسير سورة مريم ونسأله جل شأنه التوفيق لاتمام تفسير سائر سور كتابه المعظم بحرمة نبيه صلى الله عليه وسلم.
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»