تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٤٥
وقرأ حنظلة " تسمع " مضارع اسمعت مبنيا للمفعول والله تعالى أعلم.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا) * (مريم: 41) أمر للحبيب أن يذكر الخليل وما من الله تعالى به عليه من أحكام الخلة ليستشير المستعدين إلى التحلي بما أمكن لهم منها. والصديق على ما قال ابن عطاء القائم مع ربه سبحانه على حد الصدق في جميع الأوقات لا يعارضه في صدقه معارض بحال، وقال أبو سعيد الخزاز: الصديق الآخذ بأتم الحظوظ من كل مقام سنى حتى يقرب من درجات الأنبياء عليهم السلام، وقال بعضهم: من تواترت أنوار المشاهدة واليقين عليه وأحاطت به أنوار العصمة.
وقال القاضي: هو الذي صعدت نفسه تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية والرياضة إلى أوج العرفان حتى اطلع على الأشياء وأخبر عنها على ما هي عليه، ومقام الصديقية قيل: تحت مقام النبوة ليس بينهما مقام. وعن الشيخ الأكبر قدس سره إثبات مقام بينهما وذكر أنه حصل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه. والمشهور بهذا الوصف بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه وليس ذلك مختصا به، فقد أخرج أبو نعيم في المعرفة. وابن عساكر. وابن مردويه من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أبي ليلى الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الصديقون ثلاثة، حبيب النجار مؤمن آل يس الذي قال: * (يا قوم اتبعوا المرسلين) *، وحز قيل مؤمن آل فرعون الذي قال: * (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) * وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه وهو أفضلهم * (إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا) * (مريم: 42) الخ فيه من لطف الدعوة إلى اتباع الحق والإرشاد إليه ما لا يخفى. وهذا مطلوب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا سيما إذا كان ذلك مع الأقارب ونحوهم قال: " سلام عليك " هذا سلام الأعراض عن الأغيار وتلطف الأبرار مع الجهال، قال أبو بكر بن طاهر: أنه لما بدا من آزر في خطابه عليه السلام ما لا يبدو إلا من جاهل جعل جوابه السلام لأن الله تعالى قال: * (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) * (الفرقان: 63) * (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله) * (مريم: 48) أي أهاجر عنكم بديني، ويفهم. منه استحباب هجر الاشرار.
وعن أبي تراب النخشبي صحبة الإشرار تورث سوء الظن بالاخبار، وقد تضافرت الأدلة السمعية والتجربة على أن مصاحبتهم تورث القسوة وتثبط عن الخير * (وأدعوا ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا) * فيه من الدلالة على مزيد أدبه عليه السلام مع ربه عز وجل ما فيه، ومقام الخلة يقتضي ذلك فإن من لا أدب له لا يصلح أن يتخذ خليلا * (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحق ويعقوب) * كأن ذلك كان عوضا عمن اعتزل من أبيه وقومه لئلا يضيق صدره كما قيل: ولما اعتزل نبينا صلى الله عليه وسلم الكون أجمع ما زاغ البصر وما طغى عوض عليه الصلاة والسلام بأن قال له سبحانه: * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) * (الفتح: 10).
" واذكر " أيها الحبيب " في الكتاب موسى " الكليم " إنه كان مخلصا " لله تعالى في سائر شؤونه، قال الترمذي: المخلص على الحقيقة من يكون مثل موسى عليه السلام ذهب إلى الخضر على السلام ليتأدب به فلم يسامحه في شيء ظهر له منه * (وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا) * (مريم: 52) قالوا النداء بداية والنجوى نهاية، النداء مقام الشوق والنجوى مقام كشف السر * (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا) * قيل: علم الله تعالى ثقل الأسرار على
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»