تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٣٨
والحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه قرأ الآية وقال: إن الله تعالى يقول يوم القيامة: " من كان له عني عهد فليقم فلا يقوم إلا من قال هذا في الدنيا: اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعله لي عهدا عندك تؤديه إلى يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد "، وأخرج ابن أبي شيبة عن مقاتل أنه قال: العهد الصلاح، وروى نحوه عن السدي. وابن جريج، وقال الليث: هو حفظ كتاب الله تعالى، وتسمية ما ذكر عهدا على سبيل التشبيه، وقيل: المراد بالعهد الأمر والإذن من قولهم: عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به أي لا يملك العباد أن يشفعوا إلا من أذن الله عز وجل له بالشفاعة وأمره بها فإنه يملك ذلك، ولا يأبى * (عند) * الاتخاذ أصلا فإنه كما يقال: أخذت الإذن في كذا يقال: اتخذته، نعم في قوله تعالى: * (عند الرحمن) * نوع إباء عنه مع أن الجمهور على الأول، والمراد بالشفاعة على القولين ما يعم الشفاعة في دخول الجنة والشفاعة في غيره ونازع في ذلك المعتزلة فلم يجوزوا الشفاعة في دخول الجنة والاخبار تكذبهم، فعن أبي سعيد الخدري قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل من أمتي ليشفع للفئام من الناس فيدخلون الجنة بشفاعته وإن الرجل ليشفع للرجل وأهل بيته فيدخلون الجنة بشفاعته، وجوز ابن عطية أن يراد بالشفاعة الشفاعة العامة في فصل القضاء وبمن اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم وبالعهد الوهد بذلك في قوله سبحانه وتعالى: * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * (الإسراء: 79) وهو خلاف الظاهر جدا، وعلى الوجه الثاني في ضمير الجمع الاستثناء من الشفاعة بتقدير مضاف وهو متصل أيضا. وفي المستثنى الوجهان السابقان أي لا يملك المتقون الشفاعة إلا شفاعة من اتخذ عند الرحمن عهدا، والمراد به الايمان، وإضافة المصدر إلى المفعول. وقيل: المستثنى منه محذوف على هذا الوجه أي لا يملك المتقون الشفاعة لأحد إلا من اتخذ الخ أي إلا لمن اتصف بالايمان. وجوز أن يكون الاسثناء من الشفاعة بتقدير المضاف على الوجه الأول في الضمير أيضا، وأن يكون المصدر مضافا لفاعله أو مضافا لمفعوله. وجوز عليه أيضا أن يكون المستثنى منه محذوفا كما سمعت، وعلى الوجه الثالث الاستثناء من الضمير وهو متصل أيضا، وفي المستثنى الوجهان أي لا يملك المجرمون أن يشفع لهم إلا من كان مؤمنا فإنه يملك أن يشفع له. وقيل: الاستثناء على تقدير رجوع الضمير إلى المجرمين منقطع لأن المراد بهم الكفار، وحمل ذلك على العصاة والكفار بعيد كما قال أبو حيان، والمستثنى حينئذ لازم النصف عند الحجازيين جائز نصبه وإبداله عند تميم.
وجوز الزمخشري أن تكون الواو في * (لا يملكون) * علامة الجمع كالتي في - أكلوني البراغيث - والفاعل * (من اتخذ) * لأنه في معنى الجمع. وتعقبه أبو حيان بقوله: لا ينبغي حمل القرآن على هذه اللغة القليلة مع وضوح جعل الواو ضميرا، وذكر الأستاذ أبو الحسن بن عصفور أنها لغة ضعيفة، وأيضا فالواو والألف والنون التي تكون علامات لا يحفظ ما يجيء بعدها فاعلا إلا بصريح الجمع وصريح التثنية أو العطف إما أن يأتي بلفظ مفرد يطلق على جمع أومثنى فيحتاج في إثباته إلى نقل، وإمما عود الضمائر مثناة ومجموعة على مفرد في اللفظ يراد به المثنى والمجموع فمسموع معروف في لسان العرب فيمكن قياس هذه العلامات على تلك الضمائر ولكن الأحوط أن لا يقال ذلك إلا بسماع انتهى. وتعقبه أيضا ابن المنير بأن فيه تعسفا لأنه إذا جعل الواو علامة لمن ثم أعاد على لفظها بالإفراد ضمير * (اتخذ) * كان ذلك إجمالا بعد إيضاح وهو تعكيس في طريق البلاغة التي
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»