تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٢٤
الله تعالى ثراه، والذي تقتضيه الآثار الواردة في عصاة المؤمنين أن يقال: إن التنجية المذكورة ليست دفعية بل تحصل أولا فأولا على حسب قوة التقوى وضعفها حتى يخرج من النار من في قلبه وزن ذرة من خير وذلك بعد العذاب حسب معصيته وما ظاهره من الأخبار كخبر جابر السابق إن المؤمن لا تضره النار مؤول بحمل المؤمن على المؤمن الكامل لكثرة الأخبار الدالة على أن بعض المؤمنين يعذبون.
ومن ذلك ما أخرجه الترمذي عن جابر رضي الله تعالى عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا حمما ثم تدركهم الرحمة فيخرجون فيطرحون على أبواب الجنة فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتون كما ينبت الغناء في حميل السيل " ومن هنا حظر بعض العلماء أن يقال في الدعاء: اللهم اغفر لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم جميع ذنوبهم أو اللهم لا تعذب أحدا من أملا محمد صلى الله عليه وسلم هذا، وقال بعضهم: إن المراد من التنجية على تقدير أن الخطاب خاص بالكفرة أن يساق الذين اتقوا إلى الجنة بعد أن كانوا على شفير النا، ر وجيء بثم لبيان التفاوت بين ورود الكافرين النار وسوق المذكورين إلى الجنة وأن الأول للإهانة والآخر للكرامة، وأنت تعلم أن الذين يذبه بهم إلى الجنة من الذين اتقوا من غير دخول في النار أصلا ليسوا إلا الخواص. والمعتزلة خصوا الذين اتقوا بغير أصحاب الكبائر وأدخلوهم في الظالمين واستدلوا بالآية على خلودهم في النار وكانوا ظالمين.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس. وابن مسعود. وأبي رضي الله تعالى عنهم. والجحدري. ومعاوية بن قرة. ويعقوب * (ثم) * بفتح الثاء أي هناك. وابن أبي ليلى * (ثمه) * بالفتح مع هاء السكت وهو ظرف متعلق بما بعده. وقرأ يحيى. والأعمش. والكسائي. وابن محصين. ويعقوب * (ننجي) * بتخفيف الجيم. وقرىء * (ينجي) * وينجي بالتشديد والتخفيف مع البناء للمفعول، وقرأت فرقة * (نجى) * بنون واحدة مضمومة وجيم مشددة، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه * (ننحى) * بحاء مهملة، وهذه القراءة تؤيد بظاهرها تفسير الورود بالقرب والحضور.
* (وإذا تتلى عليهم ءاي‍اتنا بين‍ات قال الذين كفروا للذين ءامنوا أى الفريقين خير مقاما وأحسن نديا) * * (وإذا تتلى عليهم) * الآية إلى آخرها حكاية لما قالوا عند سماع الآيات الناعية عليهم فظاعة حالهم ووخامة مآلهم أي وإذا تتلى على المشركين * (ءاياتنا) * التي من جملتها الآيات السابقة * (بينات) * أي ظاهرات الإعجاز تحدي بها فلم يقدر على معارضتها أو مر تلات الألفاظ ملخصات المعنى مبينات المقاصد إما محكمات أو متشابهات قد تبعها البيان بالمحكمات أو تبيين الرسول صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا، والوجه كما في " الكشاف " أن يكون * (بينات) * حالا مؤكدة لمضمون الجملة وإن لم يكن عقدها من اسمين لأن المعنى عليه.
وقرأ أبو حيوة. والأعرج. وابن محيصن * (وإذا يتلى) * بالياء التحية لأن المفروع مجازي التأنيث مع وجود الفاصل * (قال الذين كفروا) * أي قالوا. ووضع الموصول موضع الضمير للتنبيه على أنهم قالوا ما قالوا كافرين بما يتلى عليهم رادين له أو قال الذين مردوا منهم على الكفر وأصروا على العتو والعناد وهم النضر بن الحرث وأتباعه الفجرة فإن الآية نزلت فيهم. واللام في قوله تعالى: * (للذين ءامنوا) * للتبليغ كما في قلت له كذا إذا خاطبته به، وقيل لام الأجل أي قالوا لأجلهم وفي حقهم، ورجح الأول بأن قولهم ليس في
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»