تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٢٥
حق المؤمنين فقط كما ينطق به قوله تعالى: * (أي الفريقين) * أي المؤمنين والكافرين كأنهم قالوا: أينا * (خير) * نحن أو أنتم * (مقاما) * أي مكانا ومنزلا، وأصله موضع القيام ثم استعمل لمطلق المكان. وقرأ ابن كثير. وابن محيصن. وحميد. والجعفي. وأبو حاتم عن أبي عمرو * (مقاما) * بضم الميم وأصله موضع الإقامة، والمراد به أيضا المنزلة والمكان فتتوافق القراءتان.
وجوز في البحر احتمال المفتوح والمضمون للمصدرية على أن الأصل مصدر قام يقوم، والثاني مصدر أقام يقيم، ورأيت في بعض المجموعات كلاما ينسب لأبي السعود عليه الرحمة في الفرق بين المقام بالفتح والمقام بالضم وقد سأله بعضهم عن ذلك بقوله: يا وحيد الدهر يا شيخ الأنام * نبتغي فرق المقام والمقام وهو أن الأول يعني المفتوح الميم موضع قيام الشيء أعم من أن يكون قيامه فيه بنفسه أو بإقامة غيره ومن أن يكون ذلك بطريق المكث فيه أو بدونه، والثاني موضع إقامة الغير إياه أو موضع قيامه بنفسه قياما ممتدا، فإن كان الفعل الناصب ثلاثيا فمقتضى المقام هو الأول، وكذا إن كان رباعيا ولم يقصد بيان كون المقام موضع قيام المضاف إليه بإقامة غيره أو موضع قيامه الممتد، وأما إذا قصد ذلك فمقتضاه الثاني كما إذا قلت: أقيمت تاء القسم مقام الواو تنبيها على أنها خلف عن الباء التي هي الأصل من أحرم القسم.
ومقامات الكلمات كلها وإن كانت منوطة بوضع الواضع لكن مقامها المنوط بأصل الوضع لكونه مقاما أصليا لها قد نزل منزلة موضع قيامها بأنفسها وجعل مقامها المنوط بالاستعمال الطارىء جاريا مجرى المقام الاضطراري لذوات الاختيار، هذا إذا كان المقام ظرفا أو إذا كان مصدرا ميميا والفعل الناصب رباعي فحقه ضم الميم انتهى المراد منه.
وأنت تعلم أنه في هذا المقام ليس منصوبا على الظرفية ولا على المصدرية بل منصوب على التمييز وهو محول عن المبتدأ على ما قيل: أي الفريقين مقامه خير * (وأحسن نديا) * أي مجلسا ومجتمعا، وفي " البحر " هو المجلس الذي يجتمع فيه لحادثة أو مشورة. وقيل: مجلس أهل الندى أي الكرم. وكذا النادي يروى أنهم كانوا يرجلون شعورهم ويدهنونها ويتطيبون ويلبسون مفاخر الملابس ثم يقولون ذلك لفقراء المؤمنين الذين لا يقدرون على ذلك إذا تليت عليهم الآيات، قال الإمام: ومرادهم من ذلك معارضة المؤمنين كأنهم قالوا: لو كنتم على الحق وكنا على الباطل كان حالكم في ألدنيا أحسن وأطيب من حالنا لأن الحكيم لا يليق به أن يوق أولياءه المخلصين في العذاب والذل وأعءاه المعرضين عن خدمته في العز والراحة لكن الكفار كانوا في النعمة والراحة والمؤمنين كانوا بعكس ذلك فعلم أن الحق ليس مع المؤمنين، وهذا مع ظهور أنه قياس عقيم ناشيء من رأسي سقيم نقضه الله تعالى وأبطله بقوله سبحانه:
* (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورءيا) * * (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورءيا) *.
وحاصلة أن كثرا ممن كان أعظم نعمة منكم في الدنيا كعاد وثمود. واضرابهم من الأمم العاتية قد أهلكهم الله تعالى فلو دل حصول نعمة الدنيا للإنسان على كونه مكرما عند الله تعالى وجب أن لا يهلك أحدا من المتنعمين في الدنيا، وفيه من التهديد والوعيد ما لا يخفى كأنه قيل فلينظر هؤلاء أيضا مثل ذلك، و * (كم) * خبرية للتكثير مفعول
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»