تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٢٣
الولد فيلج النار إلا تحلة القسم.
وقال أبو عبيدة. وابن عطية وتبعهما غير واحد: إن القسم في الخبر إشارة إلى القسم في المبتدأ أعني * (وإن منكم إلا واردها) *، وصرح بعضهم أن الواو فيه للقسم، وتعقب ذلك أبو حيان بأنه لا يذهب نحوي إلى أن مثل هذه الواو واو قسم لأنه يلزم من ذلك حذف المجرور وإبقاء الجار وهو لا يجوز إلا أن وقع في شعر أو نادر كلام بشرط أن تقوم صفة المحذوف مقامه كما في قوله: والله ما ليلى ينام صاحبه وقال أيضا: نص النحويون على أنه لا يستغنى عن القسم بالجواب لدلالة المعنى إلا إذا كان الجواب باللام أو بأن وأين ذلك في الآية، وجعل ابن هشام تحلة القسم كناية عن القلة وقد شاع في ذلك، ومنه قوله كعب: تخذي على يسرات وهي لاحقة * ذوابل مسهن الأرض تحليل فإن المعنى مسهن الأرض قليل كما يحلف الإنسان على شيء ليفعلنه فيفعل منه اليسير ليتحلل به من قسمه ثم قال: إن فيما قاله جماعة من المفسرين من أن القسم على الأصل وهو إشارة إلى قوله تعالى: * (وإن منكم إلا واردها) * الخ نظرا لأن الجملة لا قسم فيها إلا إن عطفت على الجمل التي أجيب بها القسم من قوله تعالى: * (فوربك لنحشرنهم) * إلى رخرها وفيه بعد انتهى. والخفاجي جوزا الحالية والعطف، وقال: حديث البعد غير مسموع لعدم تخلل الفاصل وهو كما ترى، ولعل الأسلم من القيل والقال جعل ذلك مجازا عن القلة وهو مجاز مشهور فيما ذكر، ولايعكر على هذا ما أخرجه أحمد. والبخاري في تاريخه. والطبراني. وغيرهم عن معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله تعالى متطوعا لا يأخذه سلطان لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم فإن الله تعالى يقول: * (وإن منكم إلا واردها) * ".
فإن التعليل صحيح مع إرادة القلة من ذلك أيضا فكأنه قيل: لم ير النار إلا قليلا لأن الله تعالى أخبر بورود كل أحد إياها ولا بد من وقوع ما أخبر به ولولا ذلك لجاز أن لا يراها أصلا.
* (ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظ‍المين فيها جثيا) * * (ثم ننجي الذين اتقوا) * بالإخراج منها على ما ذهب إليه الجمع الكثير * (ونذر الظالمين فيها جثيا) * على ركبهم كما روى عن ابن عباس. ومجاهد. وقتادة. وابن زيد، وهذه الآية ظاهرة عندي في أن المراد بالورود الدخول وهو الأمر المشترك.
وقال بعضهم: إنها دليل على أن المراد بالورود الجثو حواليها وذلك لأن ننجي. * (ونذر) * تفصيل للجنس فكأنه قيل ننجي هؤلاء ونترك هؤلاء على حالهم الذي احضروا فيه جاثين، ولا بد على هذا من أن يكون التقدير في حواليها، وأنت تعلم أن الظاهر عدم التقدير والجثو لا يوجب ذلك، وخولف بين قوله تعالى: * (اتقوا) * وقوله سبحانه: * (الظالمين) * ليؤذن بترجيح جانب الرحمة وأن التوحيد هو المنجي والإشراك هو المردى فكأنه قيل: ثم ننجي من وجد منه تقوى ما وهو الاحتراز من الشرك ونهلك من اتصف بالظلم أي بالشرك وثبت عليه، وفي إيقاع * (نذر) * مقابلا لننجي إشعار بتلك اللطيفة أيضا، قال الراغب: يقال فلان يذر الشيء أي يقذفه لقلة اعتداده به. ومن ذلك قيل لقطعة اللحم التي لا يعتد بها وذر، وجيء بثم للإيذان بالتفاوت بين فعل الخلق وهو ورودهم النار وفعل الحق سبحانه وهو النجاة والدمار زمانا ورتبة قاله العلامة الطيبي طيب
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»