تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١١٩
وقال بعضهم: إن المحاسبة تكون حول جهنم فيجثون لمخاصمة بعضهم بعضا ثم يتبرأ بعضهم من بعض، وقال السدى: يجثون لضيق المكان بهم فالحال على القولين مقدرة بخلافه على ما تقدم. وقيل: إنها عليه مقدرة أيضا لأن المراد الجثى حول جهنم، ومن جعل الضمير للكفرة وغيرهم قال: إنه يحضر السعداء والأشقياء حول جهنم ليرى السعداء ما نجاهم الله تعالى منه فيزدادوا غبطة وسرورا وينال الأشقياء ما ادخروا لمعادهم ويزدادوا غيظا من رجوع السعداء عنهم إلى دار الثواب وشماتتهم بهم ويجثون كلهم ئم لما يدهمهم من هول المطلق أو لضيق المكان أو لأن ذلك من توابع التواقف للحساب والتقاول قبل الوصول إلى الثواب والعقاب، وقيل: إنهم يجثون على ركبهم إظهارا للذل في ذلك الموطن العظيم، ويدل على جثى جميع أهل الموقف ظاهر قوله تعالى: * (وترى كل أمة جاثية) * لكن سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ما هو ظاهر في عدم جثى الجميع من الأخبار والله تعالى أعلم، والحال قيل: مقدرة، وقيل: غيره مقدرة إلا أنه أسند ما للبعض إلى الكل، وجعلها مقدرة بالنسبة إلى السعداء وغير مقدرة بالنسبة إلى الأشقياء لا يصح، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه فسر * (جثيا) * بجماعات على أنه جمع جثوة وهو المجموع من التراب والحجارة أي لنحضرنهم جماعات.
* (ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحم‍ان عتيا) * * (ثم لننزعن من كل شيعة) * أي جماعة تشايعت وتعاونت على الباطل أو شاعت وتبعت الباطل على ما يقتضيه كون الآية في الكفرة أو جماعة شاعت دينا مطلقا على ما يقتضيه كونها في المؤمنين وغيرهم * (أيهم أشد على الرحمان عتيا) * أي نبوا عن الطاعة وعصيانا، وعن ابن عباس جراءة، وعن مجاهد كفرا، وقيل: افتراء بلغة تميم، والجمهور على التفسير الأول، وهو على سائر التفاسير مصدر وفيه القراءتان السابقتان في جثيا.
وزعم بعضهم أنه فيهما جمع جاث وهو خلاف الظاهر هنا، والنزع الاخراج كما في قوله تعالى: * (ونزع يده) * والمراد استمرار ذلك أي إنا نخرج ونفرز من كل جماعة من جماعات الكفر أعصاهم فأعصاهم إلى أن يحاط بهم فإذا اجتمعوا طرحناهم في النار على الترتيب نقدم أولاهم بالعذاب فأولاهم وذلك قوله تعالى:
* (ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا) * * (ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا) * فالمراد بالذين هم أولى المنتزعون باعتبار الترتيب، وقد يراد بهم أولئك باعتبار المجموع فكأنه قيل: ثم لنحن أعلم بتصلية هؤلاء وهم أولى بالصلى من بين سائر الصالين ودركاتهم أسفل وعذابهم أشد ففي الكلام إقامة المظهر مقام المضمر، وفسر بعضهم النزع بالرمي من نزعت السهم عن القوس أي رميته فالمعنى لنرمين فيها الأعصى فالأعصى من كل طائفة من تلك الطوائف ثم لنحن أعلم بتصليتهم؛ وحمل الآية على البدء بالأشد فالأشد مروى عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه.
وجوز أن يراد باشدهم عتيا رؤساء الثيع وأئمتهم لتضاعف جرمهم بكونهم ضلالا مضلين قال الله تعالى: * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) * (النحل: 88) * (وليحملن أثقالهم واثقالا مع أثقالهم) * (العنكبوت: 13).
وأخرج ذلك ابن أبي حاتم عن قتادة وعليه لا يجب الاستمرار والإحاطة. وأورد على القول بالعموم أن قوله تعالى: * (أشد. عتيا) * يقتضي اشتراك الكل في العتى بل في أشديته وهو لا يناسب المؤمنين، وأجيب عنه بأن ذلك من نسبة ما للبعض إلى الكل والتفضيل على طائفة لا يقتضي مشاركة كل فرد فرد فإذا قلت: هو أشجع العرب لا يلزمه وجود الشجاعة في جميع أفرادهم، وعلى هذا يكون في الآية إيماء إلى التجاوز عن كثير حيث خص العذاب بالأشد معصية، و * (أيهم) * مفعول * (ننزعن) * وهو اسم موصول بمعنى الذي مبني على الضم محله
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»