المعنى من كان في الضلالة فلا عذر له فقد أمهله الرحمن ومد له مدا، وجوز أن يكون ذلك للاستدراج كما ينطق به قوله تعالى: * (إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) * (آل عمران: 178) وحاصل المعنى من كان في الضلالة فعاده الله تعالى أن يمد له ويستدرجه ليزداد إثما، وقيل: المراد الدعاء بالمد إظهارا لعدم بقاء عذر بعد هذا البيان الواضح فهو على أسلوب * (ربنا ليضلوا عن سبيلك) * (يونس: 88) إن حمل على الدعاء، قال في " الكشف ": الوجه الأول أوفق بهذا المقام، والتعرض لعنوان الرحمانية لما أن المدمن أحكامها * (حتى إذا رأوا ما يوعدون) * إلى آخرها غاية للمد وجمع الضمير في الفعلين باعتبار معنى من كما أن الأفراد في الضميرين الأولين باعتبار لفظها، وما اسم موصول والجملة بعده صلة والعائد محذوف أي الذي يوعدونه، واعتبار ما مصدرية خلاف الظاهر.
وقوله تعالى: * (إما العذاب وإما الساعة) * بدل من * (ما) * وتفصيل للموعود على طريقة منع الخلو، والمراد بالعذاب الدنيوي بغلبة المؤمنين واستيلائهم عليهم، والمراد بالساعة قيل: يوم القيامة وهو الظاهر.
وقيل: ما يشمل حين الموت ومعاينة العذاب ومن مات فقد قامت قيامته وذلك لتتصل الغاية بالمغيا فإن المد لا يتصل بيوم القيامة، وأجيب بأن أمر الفاصل سهل لأن أمور هذه الدنيا لزوالها وتقضيها لا تعد فاصلة كما قيل: ذلك في قوله تعالى: * (أغرقوا فادخلوا نارا) * (نوح: 25) وقوله تعالى: * (فسيعلمون) * جواب الشرط وهما في الحقيقة الغاية إن قلنا: إن المجموع هو الكلام أو مفهومه فقط إن قلنا: إنه هو الكلام والشرط قيد له، و * (حتى) * عند ابن مالك جارة وهي لمجرد الغاية لا جارة ولا عاطفة عند الجمهور وهكذا هي كلما دخلت على إذا الشرطية وهي منصوبة بالشرط أو الجزاء على الخلاف المشهور، والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب، والمراد حتى إذا عاينوا ما يوعدون من العذاب الدنيوي أو الأخروي فقط فسيعلمون حينئذ * (من هو شر مكانا) * من الفريقين بأن يشاهدوا الأمر على عكس ما كانوا يقدرونه فيعلمون أنهم شر مكانا لا خير مقاما، وفي التعبير بالمكان هنا دون المقام المقبر به هناك مبالغة في إظهار سوء حالهم * (وأضعف جندا) * أي فئة وأنصارا لا أحسن نديا، ووجه التقابل أن حسن الندى باجتماع وجوه القوم وأعيانهم وظهور شوكتهم واستظهارهم.
وقيل: إن المراد من الندى هناك من فيه كما يقال المجلس العالي للتعظيم وليس المراد أن له ثمة جندا ضعيفا كلا * (ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا) * (الكهف: 43) وإنما ذكر ذلك ردا لما كانوا يزعمونه من أن لهم أعوانا من شركائهم، والظاهر أن من موصولة وهي في محل نب مفعول * (يعلمون) * وتعدى إلى واحد لأن العلم بمعنى المعرفة، وجملة * (هو شر) * صلة الموصول. وجوز أبو حيان كونها استفهامية والعلم على بابه والجملة في موضع نصب سادة مسد المفعولين وهو عند أبي البقاء فصل لا مبتدأ.
وجوز الزمخشري وظاهر صنيعه اختياره أن يكون ما تقدم غاية لقول الكفرة أي الفريقين * (خير) * الخ.
وقوله تعالى: * (كم أهلكنا) * الخ * (وقل من كان) * الخ جملتان معترضتان للإنكار عليهم أي لا يبرحون يقولون هذا القول ويتولعون به لا يتكافون عنه إلى أن يشاهدوا الموعود رأي عن أما العذاب في الدنيا بأيدي المؤمنين وإما يوم القيامة وما ينالهم فيهم من الخزي والنكال فحينئذ يعلمون أن الأمر على عكس ما قدروه وتعقبه في البحر بأنه في غاية البعد لطول الفصل بين الغاية والمغيا مع أن الفصل بجملتي اعتراض فيه