تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٢٩
ما لا يقادر قدره والنار من عدله تعالى، وقوله: إنه غير مناسب لمقام التهديد مع ما فيه من المنع يرد عليه أن الكلام مبني على التقابل وأنه على المشاكلة في قولهم: * (أي الفريقين خير مقاما) * (مريم: 73) وأحسن نديا فوعد هؤلاء ليس لمجرد تهديد أولئك بل مقصود لذاته قاله في " الكشف ".
وقال صاحب الفرائد: ما قاله الزمخشري بعيد عن الطبع والاستعمال وليس في كلامهم ما يشهد له، ويمكن أن يقال: المراد ثواب الأعمال الصالحة في الآخرة خير من ثوابهم في الدنيا وهو ما حصل لهم منها من الخير بزعمهم ومما أوتوا من المال والجاه والمنافع الحاصلة منهما اه‍، ورد إنكاره له بأن الزجاج ذكره في قوله تعالى: * (أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون) * (الفرقان: 15) وأن له نظائر. والبعد عن الطبع في حيز المنع.
وقال بعض المحققين: إن أفعل في الآية للدلالة على الاتصاف بالحدث وعلى الزيادة المطلقة كما قيل في يوسف عليه السلام أحسن إخوته وهي إحدى حالاته الأربع التي ذكرها بعض علماء العربية، فالمعنى أن ثوابهم ومردهم متصف بالزيادة في الخيرية على المتصف بها بقطع النظر عن هؤلاء المفتخرين بدنياهم فلا يلزم مشاركتهم في الخيرية فتأمل. والجملة على ما ذهب إليه أبو السعود على تقديري الاستئناف والعطف فيما قبلها مستأنفة واردة من جهته تعالى لبيان فضل أعمال المهتدين غير داخلة في حيز الكلام الملقن لقوله سبحانه: * (عند ربك) *، وقال العلامة الطيبي: الذي يقتضيه النظم الكريم أن هذه الجملة تتميم لمعنى قوله سبحانه: * (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) * (مريم: 76) ومشتملة على تسلية قلوب المؤمنين مما عسى أن يختلج فيها من مفاخرة الكفرة شيء كما أن قوله تعالى: * (حتى إذا رأوا - إلى - جندا) * (مريم: 75) تتميم لوعيدهم، وكلاهما من تتمة الأمر بالجواب عن قولهم: * (أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا) *، وجعل التعبير بخير واردا على طريق المشاكلة. وما ذكره من كون ذلك من تتمة الجواب هو المنساق إلى الذهن إلا أن ظاهر الخطاب يأباه وقد يتكلف له، ولعلنا قد أسلفنا في هذه السورة ما ينفعك في أمره فتذكر.
* (أفرأيت الذى كفر بااي‍اتنا وقال لاوتين مالا وولدا) * * (أفرأيت الذي كفر بآياتنا) * أي بآياتنا التي من جملتها آيات البعث. أخرج البخاري. ومسلم. والترمذي. والطبراني. وابن حبان. وغيرهم عن خباب بن الأرت قال: كنت رجلا قينا وكان لي على العاصي بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فقلت: لا والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث قال: فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيك فأنزل الله تعالى: * (أفرأيت) * الخ.
وفي رواية أن خبابا قال له لا والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حيا ولا ميتا ولا إذا بعثت فقال العاصي: فإذا بعثت جئتني الخ، وفي رواية أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوه يتقاضون دينا لهم عليه فقال: ألستم تزعمون أن في الجنة ذهبا وفضة وحريرا ومن كل الثمرات؟ قالوا: بلى قال: موعدكم الآخرة والله لأوتين مالا وولدا ولأوتين مثل كتابكم الذي جئتم به فنزلت، وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة، وقد كانت له أقوال تشبه ذلك، وقال أبو مسلم: هي عامة في كل من له هذه الصفة، والأول هو الثابت في كتب الصحيح، والهمزة للتعجيب من حال ذلك الكافر والإيذان بأنها من الغرابة والشناعة بحيث يجب أن ترى ويقضي منها العجب، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أنظرت فرآيت الذي كفر بآياتنا الباهرة التي حقها أن يؤمن بها كل من وقف عليها * (وقال) *
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»