تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٠٢
والأزهري فهي من المشتركات اللفظية عندهما. وقال جماعة: إنها من المشتركات المعنوية فهي موضوعة لأمر عام صادق على القدام والخلف وهو ما توارى عنك. وقد تفسر بالزمان مجازا فيقال: الأمر من ورائك على معنى أنه سيأتيك في المستقيل من أوقاتك * (ويسقى) * قيل عطف على متعلق * (من ورائه) * المقدر، والأكثر على أنه عطف على مقدر جوابا عن سؤال سائل كأنه قيل: فماذا يكون إذن؟ فقيل: يلقى فيها ما يلقى ويسقى * (من ماء) * مخصوص لا كالمياه المعهودة * (صديد) * قال مجاهد. وقتادة. والضحاك هو ما يسيل من أجساد أهل النار، وقال محمد بن كعب. والربيع: ما يسيل من فروج الزناة والزواني، وعن عكرمة هو الدم والقيح؛ وأعربه الزمخشري عطف بيان لماء. وفي إبهامه أولا ثم بيانه من التهويل ما لا يخفى، وجواز عطف البيان في النكرات مذهب الكوفيين. والفارسي، والبصريون لا يرونه وعلى مذهبهم هو بدل من * (ماء) * أن أعتبر جامدا أو نعت أن أعتبر فيه الاشتقاق من الصد أي المنع من الشرب كأن ذلك الماء لمزيد قبحه مانع عن شربه، وفي " البحر " قيل: إنه بمعنى مصدود عنه أي لكراهته يصد عنه، وإلى كونه نعتا ذهب الحوفي وكذا ابن عطية قال: وذلك كما تقول: هذا خاتم حديد، وإطلاق الماء على ذلك ليس بحقيقة وإنما أطلق عليه باعتبار أنه بدله، وقال بعضهم: هو نعت على إسقاط مفيد التشبيه كما تقول مررت برجل أسد، والتقدير مثل صديد وعلى هذا فإطلاق الماء عليه حقيقة، وبالجملة تخيص السقي من هذا الماء بالذكر من بين عذابها يدل على أنه من أشد أنواعه.
* (يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورآئه عذاب غليظ) * .
* (يتجرعه) * وجوز أبو حيان كونه حالا من ضمير * (يسقى) * والاستئناف أظهر وهو مبني على سؤال كأنه قيل: فماذا يفعل به؟ فقيل: يتجرعه أي يتكلف جرعه مرة بعد أخرى لغلبة العطش واستيلاء الحرارة عليه * (ولا يكاد يسيغه) * أي لا يقارب أن يسيغه فضلا عن الإساغة بل يغص به فيشربه بعد اللتيا والتي جرعة غب جرعة فيطول عذابه تارة بالحرارة والعطش وأخرى بشربه على تلك الحالة؛ فإن السوغ انحدار الماء انحدار الشراب في الحلق بسهولة وقبول نفس ونفيه لا يفيد نفي ما ذكر جميعا، وقيل: تفعل مطاوع فعل يقال: جرعه فتجرع وقيل: إنه موافق للمجرد أي جرعه كما تقول عدا الشيء وتعداه، وقيل: الإساغة الإدخال في الجوف، والمعنى لا يقارب أن يدخله في جوفه قبل أن يشربه ثم شربه على حد ما قيل في قوله تعالى: * (فذبحوها وما كاذوا يفعلون) * (البقرة: 71) أي ما قاربوا قبل الذبح، وعبر عن ذلك بالإصاغة لما أنها المعهودة في الأشربة. أخرج أحمد. والترمذي. والنسائي. والحاكم وصححه. وغيرهم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الآية: " يقرب إليه فيتكرهه فإذاأدنى منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره " يقول الله تعالى: * (وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم) * (محمد: 15) وقال سبحانه: * (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه) * (الكهف: 29) ويسيغه بضم الياء لأنه يقال: ساغ الشراب وأشاغه غيه وهو الفصيح وإن ورد ثلاثيه متعديا أيضا على ما ذكره أهل اللغة، وجملة * (لا يكاد) * إلى آخره في موضع الحال من فاعل يتجرعه أو من مفعوله أو منهما جميعا * (ويأتيه الموت) * أي أسبابه من الشدائد أي أسبابه من الشدائد وأنواع العذاب فالكلام على المجاز أو بتقدير مضاف * (من كل مكان) * أي من كل موضع، والمراد أنه يحيط به من جميع الجهات كما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقال إبراهيم التيمي: من
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»