تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٩٩
التوكل قالوا على سبيل التوكيد القسمي مظهرين لكمال العزيمة. * (ولنصبرن على ماءاذيتمونا) * و * (ما) * مصدرية أي إذائكم إيانا بالعناد واقتراح الآيات وغير ذلك مما لا خير فيه، وجوزوا أن تكون موصولة بمعنى الذيوالعائد محذوف أي الذي آذيتموناه، وكان الأصل آذيتمونا به فعل حذف به أو الباء ووصل الفعل إلى الضمير؟ قولان * (وعلى الله) * خاصة * (فليتوكل المتوكلون) * أي فليثبت المتوكلون على ما أحدثوه من التوكل، والمراد بهم المؤمنون، والتعبير عنهم بذلك لسبق اتصافهم به، وغرض المرسلين من ذلك نحو غرضهم مما تقدم وربما يتجوز في المسند إليه. فالمعنى وعليه سبحانه فليتوكل مريدو التوكل لكن الأول أولى.
وقرأ الحسن بكسر لام الأمر في * (ليتوكل) * وهو الأصل هذا، وذكر بعضهم أن من خواص هذه الآية دفع أذى البرغوث. فقد أخرج المستغفري في الدعوات عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا آذاك البرغوث فخذ قدحا من ماء واقرأ عليه سبع مرات * (وما لنا أن لا نتوكل على الله) * الآية وتقول: إن كنتم مؤمنين فكفوا شركم وأذاكم عنا ثم ترشه حول فراشك فإنك تبيت آمنا من شرها ".
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أبي الدرداء مرفوعا نحو ذلك إلا أنه ليس فيه " إن كنتم مؤمنين فكفوا شركم وإذا كم عنا " ولم أقف على صحة الخبر ولم أجرب ذلك إذ ليس للبرغوث ولع بي والحمد لله تعالى، وأظن أن ذلك لملوحة الدم كما أخبرني به بعض الأطباء والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
* (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنآ أو لتعودن فى ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظ‍المين) * .
* (وقال الذين كفروا) * قيل: لعل هؤلاء القائلين بعض المتمردين في الكفر من أولئك الأمم الكافرة التي نقلت مقالاتهم الشنيعة دون جميعهم كقوم شعيب واضرابهم ولذلك لم يقل: وقالوا، * (لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا) * وجوز أن يكون المراد بهم أهل الحل والعقد الذين لهم قدرة على الإخراج والإدخال، ويكون ذلك علبة للعدول عن قالوا أيضا، و * (أو) * لأحد الأمرين، ومرادهم ليكونن أحد الأمرين إخراجهم أو عودكم، فالمقسم عليه في وسع المقسم، والقول بأنها بمعنى حتى أو إلا أن قول من لم يمعن النظر كما في البحر فيما بعدها إذ لا يصح تركيب ذلك مع ما ذكر كما يصح في لألزمنك أو تقضيني حقي، والمراد من العود الصيرورة والانتقال من حال إلى أخرى وهو كثير الاستعمال بهذا المعنى، فيندفع ما يتوهم من أن العود يقتضي أن الرسل عليهم السلام كانوا وحاشاهم في ملة الكفر قبل ذلك. واعترض في الرفرائد بأنه لو كان العود بمعنى الصيرورة لقيل إلى ملتنا فتعديته بفي يقتضي أنه ضمن معنى الدخول أي لتدخلن في ملتنا. ورده الطيبي بأنه إنما يلزم ما ذكر لو كان * (في ملتنا) * صلة الفعل إما إذا جعل خبرا له لأن صار من أخوات كان فلا يرد كما في نحو صار زيد في الدار. نعم يفهم مما ذكره وجه آخر وهو جعله مجازا بمعنى تدخلن لا تضمينا لأنه على ما قرروه يقصد فيه المعنيان فلا يدفع المحذور. وفي الكشف إن * (في) * أبلغ من إلى لدلالته على الاستقرار والتمكن كأنهم لم يرضوا بأن يتظاهروا أنهم من أهل ملتهم، وقيل: المراد من العود في ملتهم سكوتهم عنهم وترك مطالبتهم بالإيمان وهو كما ترى، وقيل: هو على معناه المتبادر والخطاب لكل رسول ولمن آمن معه من قومه فغلبوا الجماعة على الواحد، فإن كان الجماعة حاضرين فالأمر ظاهر وإلا فهناك تغليب آخر في الخطاب، وقيل: لا تغليب أصلا والخطاب للرسل وحدهم بناء على زعمهم أنهم كانوا من أهل ملتهم قبل إظهار الدعوة كقولفرعون عليه اللعنة لموسى عليه السلام: * (وفعلت فعلتك
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»