تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٠٠
التي فعلت وأنت من الكافرين) * وقد مر الكلام في مثل ذلم فتذكر * (فأوحى إليهم) * أي إلى الرسل عليهم البسلام بعد ما قيل لهم ما قيل * (ربهم) * مالك أمرهم سبحانه * (لنهلكن الظ‍المين) * أي المشركين المتناهين في الظلم وهم أولئك القائلون، وقال ابن عطية: خص سبحانه الظالمين من الذين كفروا إذ جائز أن يؤمن من الكفرة الذين قالوا تلك المقالة ناس فالتوعد باهلاك من خلص للظلم، و * (أوحى) * يحتمل أن يكون بمعنى فعل الإيحاء فلا مفعول له * (ولنهلكن) * على إضمار القول أي قائلا لنهلكن، ويحتمل أن يكون جاريا مجرى القول لكونه ضربا منه * (ولنهلكن) * مفعوله.
* (ولنسكننكم الارض من بعدهم ذالك لمن خاف مقامى وخاف وعيد * واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد) * .
* (ولنسكننكم الأرض) * أي أرضهم وديارهم، فاللام للعهد وعند بعض عوض عن المضاف إليه * (من بعدهم) * أي من بعد اهلاكهم، وأقسم سبحانه وتعالى في مقابلة قسمهم، والظاهر أن ما أقسم عليه جل وعلا عقوبة لهم على قولهم: * (لنخرجنكم من أرضنا) * (إبراهيم: 13) وفي ذلك دلالة على مزيد سناعة ما أتوا به حيث أنهم لما أرادوا إخراج المخاطبين من ديارهم جعل عقوبته إخراجهم من دار الدنيا وتوريث أولئك أرضهم وديارهم، وفي الحديث " من آذى جاره أورثه الله تعالى داره " وقرأ أبو حيوة * (ليهلكن الظالمين وليسكننكم الأرض) * بياء الغيبة اعتبارا - لأوحى - كقولك: أقسم زيد ليخرجن * (ذلك) * اشارة إلى الموحى به وهو إهلاك الظالمين وإسكان المخاطبين ديارهم، وبذلك الاعتبار وحد اسم الإشارة مع أن المشار إليه إثنان فلا حاجة إلى جعله من قبيل * (عوان بين ذلك) * وان صح أي ذلك الأمر محقق ثابت.
* (لمن خاف مقامي) * أي موقفي الذي يقف به العباد بين يدي للحساب يوم القيامة، وإلى هذا ذهب الزجاج فالمقام اسم مكان وإضافته إلى ضميره تعالى لكونه بين يديه سبحانه، وقال الفراء: هو مصدر ميمي أضيف إلى الفاعل أي خاف قيامي عليه بالحفظ لأعماله ومراقبتي إياه، وقيل: المراد إقامتي على العدل والصواب وعدم الميل عن ذلك.
وقيل: لفظ مقام مقحم لأن الخوف من الله تعالى أي لمن خافني * (وخاف وعيد) * أي وعيدي بالعذاب فياء المتكلم محذوف للاكتفاء بالكسرة عنها في غير الوقف. والوعيد على ظاهره ومتعلقه محذوف، وجوز أن يكون مصدرا من الوعد على وزن فعيل وهو بمعنى اسم المفعول أي عذابي الموعود للكفار: وفيه استعارة الوعد للإيعاد، والمراد بمن خاف على ما أشير إليه في الكشاف المتقون، ووقوع ذلك إلى آخره بعد * (ولنسكننكم الأرض من بعدهم) * موقع * (والعاقبة للمتقين) * في قصة موسى عليه السلام حيث قال لقومه: * (استعينوا بالله واصبروا ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) * (الأعراف: 128) * (واستفتحوا) * أي استنصروا الله تعالى على أعدائهم كقوله تعالى: * (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) * ويجوز أن يكون من الفتاحة أي الحكومة أي استحكموا الله تعالى وطلبوا منه القضاء بينهم كقوله تعالى: * (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) * والضمير للرسل عليهم السلام كما روي عن قتادة وغيره، والعطف على * (أوحى) * ويؤيد ذلك قراءة ابن عباس. ومجاهد. وابن محيصن * (واستفتحوا) * بكسر التاء أمرا للرسل عليهم السلام معطوفا على * (ليهلكن) * فهو داخل تحت الموحى، والواو من الحكاية دون المحكى، وقيل: ما قبله لإنشاء الوعد فلا يلزم عطف الإنشاء على الخبر مع أن مذهب بعضهم تجويزه، وأخر على القراءتين عن قوله تعالى: * (لنهلكن) * أو - أوحى إليهم - على ما الكشف
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»