تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٠٧
ضللنا فضللناكم أي اهترنا لكم ما اخترنا لأنفسنا، وحاصله على ما قيل: إن ما كان منا في حكم هو النصح لكن قصرنا في رأينا، وقال الزمخشري: إنهم وركوا الذنب في ضلالهم وإضلالهم على الله تعالى وكذبوا في ذلك، ويدل على وقوع الكذب من أمثالهم يوم القيامة قوله تعالى حكاية عن المنافقين: * (يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء) * وقد خالف في ذلك أصول مشايخه لأنهم لا يجوزون صدور الكذب عن أهل القيامة فلا يقبل منه، وجوز أن يكون المعنى لو كنا من أهل اللطف فلطف بنا ربنا واهتدينا لهديناكم إلى الايمان، ونقل ذلك القاضي وزيفه كما ذكره الإمام، وقيل: المعنى لو هدانا الله تعالى إلى الرجعة إلى الدنيا فنصلح ما أفسدناه لهديناكم وهو كما ترى، وقال الجياني. وأبو مسلم: المراد لو هدانا الله تعالى إلى طريق الخلاص من العقاب والوصول إلى النعيم والثواب لهديناكم إلى ذلك، وحاصله لو خلصنا لخلصناكم أيضا لكن لا مطمع فيه لنا ولكم، قال الإمام: والدليل على أن المراد من الهدي هو هذا أنه الذي طلبوه والتمسوه.
* (سواء علينا أجزعنا) * مما لقينا * (أم صبرنا) * على ذلك و * (سواء) * اسم بمعنى الاستواء مرفوع على الخبرية للفعل المذكور بعده لأنه مجرد عن النسبة والزمان فحكمه حكم المصدر والهمزة و * (أم) * قد جردتا عن الاستفهام لمجرد التسوية ولذا صارت الجملة خبرية فكأنه قيل: جزعنا وصبرنا سواء علينا أي سيان، وإنما أفرد الخبر لأنه مصدر في الأصل، وقال الرضي في مثله: إن * (سواء) * خبر مبتدأ محذوف أي الأمران سواء ثم بين الأمر أن بقولهم: * (أجزعنا أم صبرنا) * وما قيل: من أن * (سواء) * خبر مبتدأ والجملة جزاء للجملة المذكورة بعد لتضمنها معنى الشرط، وإفادة همزة الاستفهام معنى إن لاشتراكهما في الدلالة على عدم الجزم، والتقدير إن جزعنا أم صبرنا فالأمران سيان فتكلف كما لا يخفى، والجزع حزن يصرف عما يراد فهو حزن شديد. وفي البحر هو عدم احتمال الشدة فهو نقيض الصبر، وإنما أسندوا كلا من الجزع والصبر واستوائهما إلى ضمير المتكلم المنتظم للمخاطبين أيضا مبالغة في النهي عن التوبيخ بإعلامهم أنهم شركاء لهم فيما ابتلوا به وتسلية لهم.
وجوز أن يكون هذا من كلام الفريقين فهو مردود إلى ما سيق له الكلام وهم الفريقان، ولا نظر إلى القرب كما قيل في قوله تعالى: * (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) * (يوسف: 52) وأيد ذلك بما أخرجه ابن أبي حاتم. والطبراني. وابن مردويه عن كعب بن مالك رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما يظن أنه قال: " يقول أهل النار: هلموا فلنصبر فيصبرون خمسمائة عام فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: هلموا فلنجزع فيبكون خمسمائة عام فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: * (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا) * الآية، وإلى كون هذه المحاورة بين الضعفاء والمستكبرين في النار ذهب بعضهم ميلا لظواهر الأخبار.
واستظهر أبو حيان أنها في موضع العرض وقت البروز بين يدي الله تعال، ى وقول الاتباع: * (فهل أنتم مغنون عنا) * جزع منهم، وكذا جواب الرؤساء باعترافهم بالضلال، واحتمال أنه من كلام الأولين فقط خلاف الظاهر جدا، وقوله تعالى: * (ما لنا من محيص) * جملة مفسرة لاجمال ما فيه الاستواء فلا محل لها من الإعراب أو حال مؤكدة أو بدل منه، والمحيص من حاص حاد وفر، وهو إما اسم مكان كالمبيت والمصيف أو مصدر ميمي كالمغيب والمشيب، والمعنى ليس لنا محل ننجوا فيه من عذابه أولا نجاة لنا من ذلك.
* (وقال الشيط‍ان لما قضى الامر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لى عليكم من سلط‍ان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى ولوموا أنفسكم مآ أنا بمصرخكم ومآ أنتم بمصرخى إنى كفرت بمآ أشركتمون من قبل إن الظ‍المين لهم عذاب أليم) * .
* (وقال الشيط‍ان) * الذي أضل كلا الفريقين واستتبعهما عندما عتباه وقرعاه على نمط ما قاله الاتباع للرؤساء * (لما قضي الأمر) * أي
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»