تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢١٣
بمعنى جعل واتخذ أو لتضمينه معناه وكلمة أول مفعوليه قد أخر عن ثانيهما أعني * (مثلا) * لئلا يبعد عن صفته التي هي * (كشجرة) * قيل: ولا يرد على هذا بأن المعنى أنه تعالى ضرب لكلمة طيبة مثلا لا كلمة طيبة مثلا لأن المثل عليه بمعنى الممثل به والتقدير ذات مثل أولها مثلا. وقرىء * (كلمة) * بالرفع على الابتداء لكونها نكرة موصوفة والخبر * (كشجرة) * ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف و * (كشجرة) * صفة أخرى * (أصلها ثابت) * أي ضارب بعروقه في الأرض. وقرأ أنس بن مالك * (كشجرة طيبة ثابت أصلها) * وقراءة الجماعة على الأصل وذكروا أنها أقوى معنى.
قال ابن جني: لأنك إذا قلت ثابت أصلها فقد أجربت الصفة على شجرة وليس الثبات لها إنما هو للأصل، والصفة إذا كانت في المعنى لما هو من سبب الموصوف قد تجري عليه لكنها أخص بما هي له لفظا ومعنى فالأحسن تقديم الأصل عناية به، ومن ثم قالوا: زيد ضربته فقدموا المفعول عناية به حيث أن الغرض ليس ذكر الفاعل وإنما هو ذكر المفعول، ثم لم يقنعوا بذلك حيث أزالوه عن لفظ الفضلة وجعلوه رب الجملة لفظا فرفعوه بالابتداء وصار ضربته ذيلا له وفضلة ملحقة به، وكذلك قولك: مررت برجل أبوه قائم أقوى معنى من قولك: مررت برجل قائم أبوه لأن المخبر عنه بالقيام إنما هو الأب لا الرجل مع ما في التقديم هنا من حسن التقابل والتقسيم إلا أن لقراءة أنس وجها حسنا، وهو أن * (ثابت أصلها) * صفة الشجرة وأصل الصفة أن تكون اسما مفردا لأن الجملة إذا وقعت صفة حكم على موضعها بإعراب المفرد وذاك لم يبلغ مبلغ الجملة بخلاف * (أصلها ثابت) * فإنه جملة قطعا، وقال بعضهم: إنها أبلغ ولم يذكر وجه ذلك فزعم من زعم أنه ما أشير إليه من وجه الحسن وهو بمعزل عن الصواب.
وقال ابن تمجيد: هو أنه كوصف الشيء مرتين مرة صورة ومرة معنى مع ما فيه من الإجمال والتفصيل كما في * (ألم نشرح لك صدرك) * (الشرح: 1) فإنه لما قيل: * (كشجرة طيبة ثابت) * تبادر الذهن من جعل * (ثابت) * صفة لشجرة صورة أن شيئا من الشجرة متصف بالثبات ثم لما قيل: * (أصلها) * علم صريحا أن الثبات صفة أصل الشجرة وقيل: كونها أكثر مبالغة لجعل الشجرة بثبات أصولها ثابتة بجميع أغصانها فتدبر * (وفرعها) * أي أعلاها من قولهم: فرع الجبل إذا علاه، وسمى الأعلى فرعا لتفرعه على الأصل ولهذا أفرد وإلا فكل شجرة لها فروع وأغصان، ويجوز أن يراد به الفروع لأنه مضاف والإضافة حيث لا عهد ترد للاستغراق أو لأنه مصدر بحسب الأصل وإضافته على ما اشتهر تفيد العموم فكأنه قيل: وفروعها * (في السماء) * أي في جهة العلو.
* (تؤتىأكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) *.
* (تؤتى أكلها) * تعطى ثمرها * (كل حين) * وقت أقته الله تعالى لإثمارها * (بإذن ربها) * بإرادة خالقها جل شأنه، والمراد بالكلمة الطيبة شهادة أن لا إله إلا الله على ما أخرجه البيهقي. وغيره عن ابن عباس، وعن الأصم أنها القرآن، وعن ابن بحر دعوة الإسلام، وقيل: التسبيح والتنزيه، وقيل: الثناء على الله تعالى مطلقا، وقيل: كل كلمة حسنة، وقيل: جميع الطاعات، وقيل: المؤمن نفسه، وأخرجه ابن جرير. وابن أبي حاتم عن ابن عباس وهو خلاف الظاهر، وكأن إطلاق الكلمة عليه نظير إطلاقها على عيسى عليه السلام، والمراد بالشجرة المشبه بها النخلة عند الأكثرين، وروي ذلك عن ابن عباس. وابن مسعود. ومجاهد. وعكرمة. والضحاك. وابن زيد.
وأخرج عبد الرزاق. والترمذي. وغيرهما عن شعيب بن الحبحاب قال: كنا عند أنس فأتينا بطبق
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»