تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٩٨
مذهب البراهمة وطلبوا الحجة على جهة التعجيز أي بعثكم محال وإلا فأتوا بسلطان مبين أي إنكم لا تفعلون ذلك أبدا. وهو خلاف الظاهر، وهطا الطلب كان بعد إتيانهم عليهم السلام لهم من الآيات الظاهرة والبينات الباهرة ماتخر له الجبال الصم أقدمهم عليه العناد والمكابرة * (قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ول‍اكن الله يمن على من يشآء من عباده وما كان لنآ أن نأتيكم بسلط‍ان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * .
* (قالت لهم رسلهم) * مجاراة لأول مقالتهم: * (إن نحن إلا بشر مثلكم) * كما تقولون وهذا كالقول بالموجب لأن فيه إطماعا في الموافقة ثم كر إلى جانبهم بالإبطال بقولهم عليهم السلام: * (ول‍اكن الله يمن على من يشاء من عباده) * أي إنما اختصنا الله تعالى بالرسالة بفضل منه سبحانه وامتنان، والبشرية غير مانعة لمشيئته جل وعلا، وفيه دليل على أن الرسالة عطائية وأن ترجيح بعض الجائزات على بعض بمشيئته تعالى، ولا يخفى ما في العدول عن ولكن الله من علينا إلى ما في النظم الجليل من التواضع منهم عليهم السلام، وقيل: المعنى ما نحن من الملائكة بل نحن بشر مثلكم في الصورة أو في الدخول تحت الجنس ولكن الله تعالى يمن على من يشاء بالفضائل والكمالات والاستعدادات التي يدور عليها فلك الاصطفاء للرسالة، وفي هذا ذهاب إلى قول بعض حكماء الإسلام: إن الإنسان لو لم يكن في نفسه وبدنه مخصوصا بخواص شريفة علوية قدسية فإنه يمتنع عقلا حصول صفة النبوة فيه، وأجابوا عن عدم ذكر المرسلين عليهم السلام فضائلهم النفسانية والبدنية بأنه من باب التواضع كاختيار العموم، والحق منع الامتناع العقلي وإن كانوا عليهم السلام جميعا لهم مزايا وخواص مرجحة لهم على غيرهم، وإنما قيل لهم كما قيل: لاختصاص الكلام بهم حيث أريد الزامهم بخلاف ما سلف من إنكار وقوع الشك فيه تعالى فإنه عام وإن اختص بهم ما يعقبه * (وما كان لنا) * أي ما صح ما استقام * (أن تأتيكم بسلط‍ان) * أي بحجة ما من الحجج فضلا عن السلطان المبين الذي اقترحتموه بشيء من الأشياء وسبب من الأسباب * (إلا باذن الله) * فإنه أمر يتعلق بمشيئته تعالى إن شاء كان وإلا فلا * (وعلى الله) * وحده دون ما عداه مطلقا * (فليتوكل المؤمنون) * في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم، عمموا الأمر للإشعار بما يوجب التوكل من الإيمان وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا [بم ويدل على ذلك قولهم:
* (وما لنآ ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على مآ آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون) * .
* (وما لنا ألا نتوكل على الله) * ومحل الخلاف في دخول المتكلم في عموم كلامه حيث لم يعلم دخوله فيه بالطريق الأولى أو تقم عليه قرينة كما هنا. واحتمال أن يراد بالمؤمنين أنفسهم و * (ما لنا) * التفات لا التفات إليه، والجمع بين الواو والفاء تقدم الكلام فيه و * (ما) * استفهامية للسؤال عن السبب والعذر و * (أن) * على تقدير حرف الجر أي أي عذر لنا في عدم التوكل عليه تعالى، والإظهار لإظهار النشاط بالتوكل عليه جل وعلا والاستلذاذ باسمه تعالى وتعليل التوكل * (وقد هدانا) * أي والحال أنه سبحانه قد فعل بنا ما يوجب ذلك ويستدعيه حيث هدانا * (سبلنا) * أي أرشد كلا منا سبيله ومنهاجه الذي شرع له وأوجب عليه سلوكه في الدين.
وقرأ أبو عمرو * (سبلنا) * بسكون الباء، وحيث كانت أذية الكفار مما يوجب القلق والاضطراب القادح في
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»