تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٠٣
كل مكان من جسده حتى من أطراف شعره وروى نحو ذلك عن ميمون بن مهران. ومحمد بن كعب، وإطلاق المكان على الأعضاء مجاز، والظاهر أن هذا الاتيان في الآخرة.
وقال الأخفش: أراد البلايا التي تصيب الكافر في الدنيا سماها موتا لشدتها ولا يخفى بعده لأن سياق الكلام في أحوال الكافر في جهنم وما يلقى فيها * (وما هو بميت) * أي والحال أنه ليس بميت حقيقة كما هو الظاهر من مجيء أسبابه على أتم وجه فيستريح مما غشيه من أصناف الموبقات * (ومن ورائه) * أي من بين يدي من حكم عليه بما مر * (عذاب غليظ) * يستقبل كل وقت عذابا أسد وأشق مما كان قبله، وقيل: في * (وراء) * هنا نحو ما قيل فيما تقدم أمامه، وذكر هذه الجملة لدفع ما يتوهم من الخفة بحسب الاعتياد كما في عذاب الدنيا، وقيل: ضمير ورائه يعود على العذاب المفهوم من الكلام السابق لا على كل جبار، وروى ذلك عن الكلبي، والمراد بهذا العذاب قيل: الخلود في النار وعليه الطبرسي، وقال الفضيل: هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد هذا، وجوز في الكشاف أن تكون هذه الآية - أعني قوله تعالى: * (واستفتحوا) * إلى هنا - منقطة عن قصة الرسل عليهم السلام نازلة في أهل مكة طلبوا الفتح الذي هو المطر في سنينهم التي أرسلت عليهم بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخيب سبحانه رجاءهم ولم يسقهم ووعدهم أن يسنيهم في جهنم بدل سقياهم صديد أهل النار، والواو على هذا قيل: للاستئناف، وقيل: للعطف إما على قوله تعالى: * (وويل للكافرين من عذاب شديد) * أو على خبر * (أولئك في ضلال بعيد) * لقربه لفظا ومعنى، والوجه الأول أوجه لبعد العهد وعدم قرينة تخصيص الاستفتاح بالاستمطار ولأن الكلام على ذلك التقدير يتناول أهل مكة تناولا أوليا فإن المقصود من ضرب القصة أن يعتبروا.
* (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شىء ذالك هو الضلال البعيد) * .
* (مثل الذين كفروا بربهم) * مبتدأ خبره محذوف أي فيما يتلى عليكم صفتهم التي هي في الغرابة كالمثل كما ذهب إليه سيبويه، وقوله سبحانه: * (أعمالهم كرماد) * جملة مستأنفة لبيان مثلهم، ورجح ابن عطية كونه مبتدأ وهذه الجملة خبره، وتعقبه الحوفي بأنه لا يجوز لخلو الجملة عمار يربطها بالمبتدأ وليست نفسه في المعنى لتستغني عن ذلك لظهور أن ليس المعنى مثلهم هذه الجملة. وأجاب عنه السمين بالتزام أنها نفسه لأن مثل الذين في تأويل ما يقال فيهم ويوصفون به إذا وصفوا فلا حاجة إلى الرابط كما في قولك: صفة زيد عرضه مصمون وماله مبذول، قيل: ولا يخفى حسنه إلا أن المثل عليه بمعنى الفة، والمراد بالصفة اللفظ الموصوف به كما يقال: صفة زيد أسمر أي اللفظ الذي يوصف به هو هذا، وهذا وإن كان مجازا على مجاز لكنه يغتفر لأن الأول ملحق بالحقيقة لشهرته وليس من الاكتفاء بعود الضمير على المضاف إليه لأن المضاف ذكر توطئة له فإن ذلك أضعف من بيت العنكبوت كما علمت.
وذهب الكسائي. والفراء إلى أن * (مثل) * مقحم وتقدم ما عليه وله، وقال الحوفي: هو مبتدأ و * (كرماد) * خبره وأعمالهم بدل من المبتدأ بدل اشتمال كما في قوله:
ما للجمال مشيها وئيدا * أجندلا يحملن أم حديدا وفيه خفاء، ولعله اعتبر المضاف إليه. وفي " الكشاف ": جواز كونه بدلا من * (مثل الذين كفروا) * لكن على تقدير مثل أعمالهم فيكون التقدير مثل الذي كفروا مثل أعمالهم كرماد، قال في " الكشف ": وهو بدل الكل من الكل وذلك لأن مثلهم ومثل أعمالهم متحدان بالذات، وفيه تفخيم اه‍، وقيل: إنه على هذا التقدير أيضا بدل اشتمال
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»