تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٠٤
لأن مثل أعمالهم كونها كرماد ومثلهم كون أعمالهم كرماد فلا اتحاد لكن الأول سبب للثاني فتأمل، والمراد معروف وعرفه ابن عيسى بأنه جسم يسحقه الإحراق سحق الغبار ويجمع على رمد في الكثرة وأرمدة في القلة وشذ جمعه على أفعلاء قالوا أرمداء كذا في " البحر " وذكر في " القاموس " أن الإرمداء كالأربعاء الرماد ولم يذكر أنه جمع، والمراد بأعمالهم ما هو من باب المكارم كصلة الأرحام وعتق الرقاب وفداء الأساري وقرى الأضياف وإغاثة الملهوفين وغير ذلك، وقيل: ما فعلوه لأصنامهم من القرب بزعمهم، وقيل: ما يعم هذا وذاك ولعله الأولى، وجيء بالجملة على ما اختاره بعضهم جوابا لما يقال: ما بال أعمالهم التي عملوها حتى آل أمرهم إلى ذلك المآل؟ إذ بين فيها أنها كرماد * (اشتدت به الريح) * أي حملته وأسرعت الذهاب به فاشتد من شد بمعنى عدا، والباء للتعدية أو للملابسة، وجوز أن يكون من الشدة بمعنى القوة أي قويت بملابسة حمله * (في يوم عاصف) * العصف اشتداد الريح وصف به زمان هبوبها على الإسناد المجازي كنهاره صائم وليله قائم للمبالغة، وقال الهروي: التقدير في يوم عاصف الريح فحذف الريح لتقدم ذكره كما في قوله: إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف والتنوين على هذا عوض من المضاف إليه، وضعف هذا القول ظاهر، وقيل: إن عاصف صفة الريح إلا أنه جر على الجوار، وفيه أنه لا يصح وصف الريح به لاختلافهما تعريفا وتنكيرا، وقرأ نافع. وأبو جعفر * (الرياح) * على الجمع وبه يشتد فساد الوصفية، وقرأ ابن أبي إسحق. وإبراهيم بن أبي بكر عن الحسن * (في يوم عاصف) * على الإضافة، وذلك عند أبي حيان من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه والتقدير في يوم ريح عاصف، وقد يقال: إنه من إضافة الموصوف إلى الصفة من غير حاجة إلى حذف عند من يرى جواز ذلك * (لا يقدرون) * أي يوم القيامة * (مما كسبوا) * في الدنيا من تلك الأعمال * (على شيء) * ما أي لا يرون له أثرا من ثواب أو تخفيف عذاب.
ويؤيد التعميم ما ورد في " الصحيح " عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله إن ابن جدعان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين هل ذلك نافعه؟ قال: لا ينفعه لأنه لم يقل ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين، وقيل: الكلام على حذف مضاف إي لا يقدرون من ثواب ما كسبوا على شيء ما والأول أولى، وقدم المتعلق الأول - للا يقدرون - على الثاني وعكس في البقرة لأهمية كل في آيته وذلك ظاهر لمن له أدنى بصيرة، وحاصل التمثيل تشبيه أعمالهم في حبوطها وذهابها هباء منثورا لابتنائها على غير أساس من معرفة الله تعالى والايمان به وكونها لوجهه برماد طيرته الريح العاطف وفرقته، وهذه الجملة فذلكة ذلك والمقصود منه، قيل: والاكتفاء ببيان عدم رؤية الأثر لأعمالهم للأصنام مع أن لها عقوبات للتصريح ببطلان اعتقادهم وزعمهم أنها شعفاء لهم عند الله تعالى، وفيه تهكم بهم * (ذالك) * أي ما دل عليه التمثيل دلالة واضحة من ضلالهم مع حسبانهم أنهم على شيء * (هو الضلال البعيد) * عن طريق الحق والصواب، وقد تقدم تمام الكلام في ذلك غير بعيد.
* (ألم تر أن الله خلق السم‍اوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد) * .
* (ألم تر) * خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته الذين بعث إليهم، وقيل: خطاب لكل واحد من الكفرة لقوله تعالى: * (إن يشأ يذهبكم) * والرؤية رؤية القلب، وقوله تعالى: * (إن الله خلق السموات والأرض) * ساد مسد مفعوليها أي ألم تعلم أنه تعالى خلقهما * (بالحق) * أي ملتبسة بالحكمة والوجه الصحيح الذي يحق
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»